الاثنين، 27 يناير 2025

🟡 العودة من القاع (قصة قصيرة)

العودة من القاع


كان يوسف يُلقب بـ"الملك" في أحياء القاهرة الراقية، حيث أسس شركة تكنولوجية ناشئة من شقّة صغيرة بمساعدة زوجته أمينة. بدأ الأمر بفكرة بسيطة عن تطبيق لتنظيم المواصلات، وتحول إلى إمبراطورية تضم 200 موظف. كانت حياته مثالاً للنجاح: فيلا مُطلّة على النيل، سيارات فاخرة، وأطفاله الثلاثة يدرسون في أفضل المدارس الدولية. لكن الأمور لم تكن كما تبدو.  

---

**السقوط**  

في خريف 2018، قرر يوسف المخاطرة باستثمار كل أرباح الشركة في شركة ناشئة أوروبية متخصصة في الذكاء الاصطناعي، مُتجاهلاً تحذيرات مديره المالي. حين انهارت البورصة العالمية بسبب جائحة غير متوقعة، تحولت أسهمه إلى رماد. حاول إنقاذ ما تبقى برهن منزله وسياراته، لكن الديون التهمت كل شيء. في غضون أشهر، أُعلنت إفلاس الشركة، وطُرد من مبنى كان يملكه قبل عام.  

الأصعب كان نظرة أمينة. "أنت لم تعد الرجل الذي تزوجته"، هكذا قالت وهي تُغادر الغرفة بصمتٍ يُشبه القصاص. لم يبكِ يوسف حين وقّع أوراق الطلاق، لكنه انهار عندما حكمت المحكمة بحرمانه من حضانة أولاده لـ"عدم قدرته على توفير بيئة مستقرة". ابنته الصغيرة لم تفهم، ظلت تسأل: "بابا ليش مش هازورك إلا مرّة في الشهر؟".  

---

**الشارع**  

أول ليلة قضاها تحت كوبري أكتوبر، أحسّ بأن جسده يُغيّره شيء ما. البرد اخترق معطفه الإيطالي الباهظ، الذي صار أشبه بخرقة. تذكر فجأة كيف كان يمر من هنا سابقاً بسيارته الفارهة، شارداً عن المتسولين. الآن، صار وجهه واحداً من تلك الوجوه التي تُحاول إخفاء عارها خلف صندوق كرتوني.  

تعلم فنون البقاء: كيف يحصل على بقايا الطعام من مطعم تركي قبل إغلاقه، وكيف يختار زاوية بعيدة عن عيون العصابات. لكن الذكريات كانت أقسى من الجوع. في إحدى الليالي، بينما كان يلف جسده بأوراق جرائد تُعلن عن إفلاس شركته، رأى صورة أولاده في عيد ميلادهم الأخير. مزّق الصورة، لكن القطع التصقت بذاكرته كوشم.  

---

**اللقاء الذي غيّر كل شيء**  

ذات صباح بارد، بينما كان يتلقى قطعة خبز من متطوعة في جمعية خيرية، سمع صوتاً مألوفاً: "ياسيدي يوسف؟". التفت ليرى كريم، الشاب الذي كان أول موظف عيّنه في شركته. لم يتكلم كريم كثيراً، أعطاه بطاقة عمله الجديدة في شركة لوجستيات صغيرة. "تعال غداً. حتى لو تنظف الأرضيات، فأنت أفضل من كثيرين".  

---

**الصعود من جديد**  

بدأ يوسف كعامل نظافة، لكن إتقانه للغة الإنجليزية وإدارته السابقة جعلاه يلفت الأنظار. خلال عام، أصبح مديراً لمشروع صغير. لم يستعد مجده القديم، لكنه استعاد إنسانيته. في إحدى زوايا مكتبه الجديد، وضع صورة أولاده، مع وعد داخلي بأن يراهم عندما يصبح "أباً يستحق".  

---

**الرسالة**  

بعد خمس سنوات، تلقى رسالة من أمينة: "الولد الكبير يريد دراسة إدارة الأعمال. قال إنه يريد أن يكون مثلك... لكن دون أن يفقد أسرته". في ذلك المساء، وبينما كان يجلس في شقته المتواضعة المليئة بكتب الاستثمار، أدرك أن الهزيمة لم تكن نهاية قصته، بل بداية لفصلٍ كان عليه أن يتعلمه بالطريقة الصعبة: **أن النجاح الحقيقي ليس في ما تبني، بل في من تُصبح بعد أن تخسر كل شيء**.  

---

القصة تترك القارئ مع إحساس مُرّ بالواقعية، لكنها تُضيء شمعة صغيرة: فمهما بلغت الخسائر، يبقى في الإنسان قدرة غريبة على النهوض من تحت الرماد.

الأحد، 26 يناير 2025

🟡 خيوط الخداع (قصة قصيرة)

.

 خيوط الخداع

.

في إحدى القرى الصغيرة على أطراف مدينة كبيرة، كانت تعيش سيدة تُدعى سارة، امرأة في الثلاثين من عمرها، بسيطة وجميلة، ناعمة الطباع، تحب الحياة وتهتم بتفاصيلها. كانت تعيش مع والدتها المسنّة في منزل متواضع من طابقين، في حي هادئ حيث يعرف الجميع بعضهم البعض. سارة كانت تملك قلباً طيباً، ولكن حياتها كانت تفتقر إلى الحظ. فقد فقدت والدها منذ سنوات طويلة، وكان والدتها تعاني من مرض مزمن جعلها تعتمد على سارة بشكل كامل.

ذات يوم، بينما كانت سارة تسير في السوق، لفت انتباهها رجل غريب الأطوار، طويل القامة، يرتدي بدلة أنيقة وبدا عليه أنه في الثلاثينيات من عمره. كان يحمل في عينيه بريقاً غامضاً، وعندما اقترب منها، ابتسم ابتسامة عريضة تحمل في طياتها نوعاً من الثقة الغريبة.

"أهلاً، هل لي بمساعدتك في حمل هذا الصندوق؟ يبدو أنني فقدت الطريق هنا." قال الرجل بصوت ناعم ولغة مؤدبة.

تفاجأت سارة من الطريقة التي تحدث بها، لكن رغبتها في مساعدة الآخرين جعلتها تقترب منه وتساعده بحذر. لم يكن الصندوق ثقيلاً كما ادعى، لكنه كان مجرد حيلة لتقريب المسافات بينهما. بدأ الرجل يتحدث عن نفسه، عن عمله في إحدى الشركات الكبيرة في المدينة، وعن كيفية وصوله إلى تلك القرية في عطلة قصيرة.

بدأت سارة تشعر بالراحة معه، فمحادثاته كانت مليئة بالحكمة والود. كان يمدحها ويثني على جمالها وأخلاقها، وأشار في أكثر من مرة إلى شخصيتها الرائعة. وفي إحدى الجلسات المسائية التي جمعتهما في أحد المقاهي الصغيرة في قلب القرية، أعلن عن إعجابه بها وطلب يدها للزواج.

"أنتِ تختلفين عن جميع النساء الذين قابلتهم، سارة، أنتِ تحملين في قلبك شيئاً نادراً... هل تمانعين أن أكون رفيق دربك في الحياة؟" قال ذلك وهو ينظر إلى عينيها مباشرة.

سارة، التي كانت تحلم دائماً بشريك حياة يملؤها بالحب والاحترام، شعرت بالدهشة، لكن سرعان ما أذابت كلمات الرجل جليد قلبها، ووافقت على الزواج بعد أشهر قليلة من تعرفهما. بدا كل شيء وكأنه يمر في وقت قياسي، لكن سارة كانت في تلك الفترة بحاجة لشخص يملأ الفراغ في حياتها.

لكن وراء الابتسامات والكلمات الرقيقة، كان الرجل يخبئ شيئاً آخر. اسمه كان أحمد، وقد كان في الحقيقة ليس ذلك الرجل الذي ادعى أنه كان، بل كان محتالاً محترفاً. لقد درب نفسه على فنون الخداع والتمويه لدرجة أنه أصبح يتقن إخفاء نواياه الحقيقية.

تم الزفاف في حفل بسيط، ورغم بساطته، كان الحفل يبدو كالأسطورة في عيون سارة. كان أحمد يتصرف كالأمير، يمدحها ويعشقها، ويعدها بحياة أفضل، حياة كانت تفتقدها في الماضي.

مرت الأشهر الأولى وكأنها حلم جميل. أحمد كان يقدم لها الهدايا، ويأخذها في رحلات إلى أماكن جديدة، وكان يطمئنها بأن كل شيء سيكون على ما يرام. لكن شيئاً فشيئاً، بدأت سارة تلاحظ تغييرات صغيرة في سلوكه. كان يطلب منها التوقيع على بعض الأوراق دون شرح كافٍ، وكانت لديه معرفة غير مبررة بتفاصيل حياتها المالية.

ثم جاء اليوم الذي تغيرت فيه الأمور بالكامل. استفاقت سارة في صباح أحد الأيام لتجد أن أحمد قد اختفى تماماً من حياتها. لم يترك خلفه سوى ورقة صغيرة مكتوبة بخط يده، جاء فيها: "لقد أخذت كل ما كنت أحتاجه، ولكنكِ ستظلِ دائماً في ذاكرتي."

وبعد أن مرّت سارة بحالة من الصدمة والحزن العميق، اكتشفت الحقيقة الصادمة. الرجل الذي أحبته ووافقت على الزواج منه، لم يكن سوى محتالاً قد رتب كل شيء بعناية ليتمكن من سرقة كل ما تملك. لقد أخذ من خزانتها كل الذهب الذي جمعته طوال سنوات حياتها، بالإضافة إلى بعض المقتنيات الثمينة التي كانت قد ورثتها عن والدتها. وكل ما تركه وراءه هو الحزن والدموع.

شعرت سارة وكأن الأرض قد انشقت تحت قدميها، وتساءلت كيف يمكن لشخص أن يتلاعب بحياة شخص آخر إلى هذا الحد. ولكن سرعان ما أدركت أنه لا بد أن تستعيد قوتها، فهذه الحياة لا تتوقف عند خسارة واحدة. وقررت أن تبدأ من جديد، وأن تتعلم من هذه التجربة القاسية. ورغم كل شيء، كانت تملك شيئاً أكثر قيمة من الذهب؛ كانت تملك درساً لن تنساه أبدًا.

مرت أشهر، وتدريجيًا استطاعت سارة إعادة بناء حياتها، ولكن الألم الذي شعرت به في ذلك الوقت لن يُنسى بسهولة. كان الحزن جزءًا من شخصيتها الآن، لكنه أصبح شيئًا يمكنها تحمله والتعايش معه.

أما أحمد، فقد تبخر تمامًا، كما لو أنه لم يكن موجودًا من الأساس، تاركًا وراءه خيوطًا من الخداع والخذلان.

.

🟡 نبيُّ الشاشة الزرقاء (قصة قصيرة)

 .

نبيُّ الشّاشة الزرقاء
.
في إحدى المدن المزدحمة، التي تتلألأ أضواؤها ليلًا كأنها مجرة في قلب الأرض، ظهر رجل يُدعى "سالم". كان سالم موظفًا عاديًا في شركة لتطوير البرمجيات، يقضي يومه بين الأكواد والشاشات الزرقاء التي لا تفارقه. رجل وحيد، منطوٍ على نفسه، يعيش في عالمه الخاص، حتى بدأت تظهر عليه أعراض غريبة.
في أحد الأيام، بينما كان سالم يعمل على برنامج معقد، توقفت شاشته فجأة، وظهرت رسالة غامضة: "أنت المختار. العالم يحتاجك لتوجيهه نحو الخلاص". اعتقد في البداية أن الأمر مزحة من أحد زملائه، لكن الرسالة كانت تتكرر في كل جهاز يلمسه، حتى على هاتفه الشخصي.
بعد عدة أيام من التفكير والقلق، أعلن سالم أمام زملائه: "لقد تلقيت رسالة من عالمٍ أعلى. أنا نبي هذا العصر، وسأقود البشرية نحو الحقيقة المطلقة."
بدأ سالم دعوته عبر الإنترنت، مستخدمًا منصات التواصل الاجتماعي كمنبر له. أطلق قناته الخاصة على الإنترنت بعنوان "رسائل السماء الرقمية". تحدث عن رؤى غامضة، وبرمجيات خارقة يزعم أنها رسائل من قوى عليا. كانت رسائله تتحدث عن "النظام العالمي الجديد" و"تحرير البشرية من عبودية الخوارزميات".
في البداية، ظنه الناس مجرد شخص يسعى للشهرة، لكن مع مرور الوقت، بدأ يجذب أتباعًا. كان أغلبهم من أولئك الذين سئموا التكنولوجيا ورأوا في كلماته نوعًا من الحكمة. وأطلقوا عليه لقب "نبي العصر الرقمي".
مع ازدياد شعبيته، بدأ سالم يُطلق تطبيقات ادعى أنها "كتب مقدسة"، تحتوي على تعليماته وأفكاره. لكنه سرعان ما أثار الجدل بدعوته الناس إلى التخلص من أجهزتهم الذكية والتواصل عبر "الطاقة الذهنية". أتباعه بدأوا يتصرفون بغرابة، حيث يُغلقون هواتفهم، ويتوقفون عن استخدام الإنترنت، ويجلسون لساعات يتأملون.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. بدأ سالم ينظم تجمعات ضخمة في المدينة، حيث يُلقي خطبًا نارية عن خطر التكنولوجيا وكيف أنها تسلب الإنسان روحه. في أحد هذه التجمعات، صعد على المسرح وأعلن: "هذا هو يوم الخلاص! عليكم أن تتحرروا الآن!"
طلب من الحضور تحطيم أجهزتهم أمامه، وألقى هاتفه الشخصي على الأرض محطمًا إياه. الحشود تجاوبت، وتحوّل الحدث إلى فوضى عارمة.
في خضم هذه الأحداث، تدخلت السلطات. تم القبض على سالم للتحقيق معه بعد أن اتهمه بعض الأهالي بالتسبب في اضطرابات اجتماعية. أثناء التحقيق، تحدث عن الرسائل السماوية التي تلقاها وكيف أنه كان يحاول إنقاذ البشرية.
بعد تقييم حالته العقلية، تم تحويل سالم إلى مستشفى الأمراض النفسية. الأطباء شخصوا حالته باضطراب ذهاني ناتج عن العزلة والإفراط في استخدام التكنولوجيا.
في غرفته بالمستشفى، كان سالم يجلس أمام جدار فارغ، يتحدث كما لو أنه يخاطب جمهورًا. يقول للأطباء والممرضين الذين يزورونه: "ستدركون يومًا أنني كنت على حق. عندما يتوقف العالم عن التفكير بآلاته، ستذكرونني."
رغم اختفاء سالم من المشهد، بقيت قناته على الإنترنت وأفكاره التي تناقلها أتباعه. تحول "نبي الشاشة الزرقاء" إلى رمز لبعض الأشخاص الذين رفضوا التكنولوجيا وعاشوا بعيدًا عن الحياة الحديثة.
لكن بالنسبة لمعظم الناس، كان سالم درسًا عن خطورة الانغماس في العوالم الرقمية، وكيف يمكن أن تبتلع الإنسان حتى يفقد عقله.
.

السبت، 25 يناير 2025

🟡 الرسائل الليلية (قصة قصيرة)

.

 الرّسائل اللّيليّة

.

في ليلة باردة من ليالي الشتاء، جلست "ليلى" بجوار النافذة التي تطل على شارع هادئ يغلفه السكون. كانت الأضواء الخافتة من أعمدة الإنارة تضفي على المكان غموضًا خاصًا، بينما كانت زخات المطر الخفيفة تطرق الزجاج كأنها همسات غامضة. أمضت ليلى يومها كالمعتاد، منشغلة بعملها الروتيني، ولم تكن تتوقع أن حياتها ستنقلب رأسًا على عقب في تلك الليلة.
عندما دقت الساعة منتصف الليل، رن هاتفها بإشعار جديد. فتحت الرسالة، فوجدتها من رقم مجهول. لم تكن الرسالة طويلة، بل كانت كلماتها مختصرة وغامضة:
"غدًا، في تمام الساعة التاسعة صباحًا، ستسقط مزهرية زرقاء من الطابق الثالث."
ابتسمت ليلى بسخرية. "لعبة سخيفة من أحدهم!"، فكرت في نفسها، ثم أغلقت الهاتف وأطفأت الأنوار، محاولة أن تتجاهل ما حدث.
في صباح اليوم التالي، وبينما كانت تسير إلى عملها، توقفت عند إشارات المرور بالقرب من مبنى قديم. فجأة، سمعت صوت ارتطام قوي، وعندما رفعت رأسها، رأت شظايا مزهرية زرقاء متناثرة على الأرض أمامها مباشرة. تجمدت في مكانها، وعاد شريط الرسالة إلى ذهنها. "هل يمكن أن يكون ما حدث مجرد صدفة؟"
مع حلول الليل، جلست ليلى على سريرها وهي تتأمل هاتفها. في تمام منتصف الليل، وصلتها رسالة جديدة من نفس الرقم: "غدًا، الساعة الرابعة مساءً، ستقابلين شخصًا يحمل حقيبة سوداء."
بدأ قلبها ينبض بسرعة. هل ستتجاهل هذه الرسالة أيضًا؟ قررت هذه المرة أن تراقب الوضع بحذر.
وفي اليوم التالي، خرجت من مكتبها عند الثالثة والنصف، وجدت نفسها تنظر للمارة من حولها بقلق وتأهّب كلما مرت بجانب أحدهم. وعند الساعة الرابعة تمامًا، اصطدمت بشاب يحمل حقيبة سوداء عند مدخل مقهى. نظر إليها معتذرًا وسأل: "هل أنت بخير؟" لكنها لم ترد، بل اكتفت بالتحديق فيه قبل أن تهرب مسرعة.
تكررت الرسائل الليلية، وكل واحدة منها كانت تحمل حدثًا صغيرًا لكنه واقعي ومحدد. ومع مرور الأيام، بدأت ليلى تشعر بثقل الرسائل وكأنها تُساق إلى لعبة لا تفهم قواعدها.
ذات ليلة، وبعد أسبوعين من الرسائل، وصلتها رسالة مختلفة عن سابقاتها: "غدًا، الساعة الثانية عشرة ظهرًا، ستتخذين قرارًا يغير حياتك."
لم تستطع النوم تلك الليلة. كانت تطرح آلاف الأسئلة: ما القرار؟ ومن يرسل هذه الرسائل؟ ولماذا؟
في اليوم التالي، وبينما كانت تعمل في مكتبها، جاءها عرض عمل مفاجئ من شركة كبرى في مدينة أخرى. كان العرض مغريًا، لكنه يعني ترك كل ما تعرفه والبدء من جديد. تذكرت الرسالة وشعرت أن عليها اتخاذ القرار. بعد ساعات من التفكير، قبلت العرض.
وفي تلك الليلة، لم تصل أي رسالة. انتظرت ليلى حتى منتصف الليل، ولكن هاتفها ظل صامتًا. شعرت بفراغ غريب، وكأن الرسائل كانت نافذتها إلى شيء أكبر من الحياة العادية.
مرت أشهر، ولم تعد الرسائل تظهر، لكن حياتها تغيرت كليًا.
.

🟡 همس في الظلام (قصة قصيرة)

.

همس في الظلام

.
في زاوية هادئة من المدينة، كان "سامر" يعيش وحيدًا في شقة صغيرة بالكاد تتسع لأثاثها القديم. كان شخصًا عاديًا، لا يملك أصدقاء كثيرين ولا يلفت الانتباه. لكن شيئًا ما تغيّر في حياته قبل شهر، حين بدأ يسمع صوتًا في رأسه.
كان الصوت ناعمًا، عميقًا، ومن المستحيل تجاهله. في البداية، كان يظهر في لحظات عشوائية، وكأنه فكرة شاردة تنبعث من عقله. قال له الصوت ذات مرة: "لا تنسَ أن تغلق النافذة الليلة."
ظن سامر أن الأمر محض تخيّل، لكن في تلك الليلة بالذات هبت عاصفة شديدة، وكان من الممكن أن تسبب النافذة المفتوحة كارثة. شعر بشيء يشبه الامتنان لذلك الصوت، ولكنه لم يستطع فهم مصدره.
مع مرور الأيام، بدأت تلك الهمسات تتكرر. لم تكن توجيهات الصوت غريبة أو خطيرة في البداية. طلب منه الصوت أن يغير طريقه المعتاد إلى العمل في أحد الأيام. وعندما فعل، علم لاحقًا أن حادث سير قد وقع في الطريق الذي كان يسلكه عادة، مات فيه أربع أشخاص.
بدأ سامر يشعر وكأن الصوت يحميه، لكنه لم يجرؤ على التحدث عنه مع أحد. كان يخشى أن يظنه الآخرون مجنونًا.
---
مع الوقت، تغيرت طبيعة الهمسات. أصبحت أكثر إلحاحًا، وأحيانًا غامضة. ذات ليلة، عندما كان سامر جالسًا في شرفته الصغيرة يتأمل أضواء المدينة، قال له الصوت: "اذهب الآن إلى الحديقة خلف المبنى."
تردد سامر، لكنه لم يستطع تجاهل الأمر. ارتدى معطفه واتجه إلى الحديقة التي كانت فارغة في هذا الوقت من الليل. لم يكن هناك شيء غير طبيعي. كانت الأضواء خافتة، والأشجار ساكنة تحت ضوء القمر. لكن حين همّ بالعودة، لمح شيئًا يلمع في الظلام.
اقترب ببطء ليجد حقيبة صغيرة مدفونة جزئيًا في التراب. فتحها ليجد داخلها مبلغًا ضخمًا من المال. شعر بالدهشة والرهبة في آن واحد، لكنه لم يجرؤ على لمس المال.
"خذه، فهو لك." قال الصوت بثقة.
ارتجف سامر وتساءل بصوت مرتجف: "من أنت؟ ولماذا تساعدني؟"
لكن الصوت لم يردّ.
---
منذ تلك الليلة، بدأ سامر يشعر بثقل غريب. المال الذي أخذه أنقذه من ديونه، ولكنه أدرك أن الصوت لم يعد مجرد حامي. أصبح الصوت يأمره بأشياء أكثر غرابة. طلب منه مراقبة جيرانه، ثم التسلل إلى شقة أحدهم ليلاً.
"افعل ذلك، ولن تُكشف أبدًا."
كانت الأوامر تتصاعد في خطورتها، وسامر يجد نفسه عاجزًا عن المقاومة. كأن الصوت يمتلك قوة خفية تسلبه إرادته.
وذات ليلة، طلب الصوت منه شيئًا فظيعًا: "اذهب إلى الجسر عند منتصف الليل. هناك ستجد رجلًا ينتظر. ادفعه."
شعر سامر بالرعب. "لماذا؟ لا أستطيع فعل ذلك!"
لكن الصوت رد بحدة لم يعهدها من قبل: "إذا لم تفعل، سأتركك. وستعيش بقية حياتك خائفًا، وحيدًا، وبلا حماية."
---
عند منتصف الليل، وقف سامر على الجسر. كان الرجل هناك، ينظر إلى المياه المتلألئة أسفل الجسر. اقترب سامر ببطء، ويداه ترتجفان.
في تلك اللحظة، صرخ في داخله: "من أنت؟ ماذا تريد مني؟"
لكن الصوت لم يجب. بدلاً من ذلك، شعر وكأن شيئًا داخله ينفجر. الألم كان لا يطاق، والصوت يصرخ بداخله كأنه يحاول تمزيق عقله.
سقط سامر على ركبتيه، وبدأ يصرخ في الظلام. حين رفع رأسه، كان الرجل قد اختفى. لم يكن هناك أحد، لا صوت، لا أوامر. كان وحيدًا أخيرًا.
منذ ذلك اليوم، إختفى الصوت تماما من حياته.
.

الجمعة، 24 يناير 2025

🔴 الأمية في المجتمعات الناطقة بالعربية (مقال)

 الأمّيّة في المجتمعات النّاطقة بالعربيّة

.

تعتبر الأمية من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات الناطقة بالعربية، فهي تعيق التنمية الشاملة وتحد من فرص الأفراد في المشاركة الفاعلة في بناء مجتمعاتهم. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمحو الأمية، إلا أن هذه الظاهرة لا تزال مستشرية في العديد من الدول.
تتعدد أسباب تفشي الأمية في المجتمعات الناطقة بالعربية، ولعل أهمها العوامل الاجتماعية والاقتصادية: فالفقر، التفاوت الطبقي، عدم المساواة بين الجنسين، والتركيز على التعليم التقليدي بدلًا من التعليم المهني أسباب جوهرية لا يمكن أن نغفل عنها. في نفس درجة الأهمية، نجد الحروب والصراعات، إذ تؤدي النزاعات إلى تدمير البنية التحتية للتعليم وتشريد السكان، مما يؤثر سلبًا على فرص التعليم. كما أن النمو السكاني السريع يؤدي إلى زيادة الضغط على الموارد التعليمية وتقليل جودة التعليم. كذلك غياب الإرادة السياسية في بعض الدول الناطقة بالعربية لتخصيص الموارد الكافية لمحو الأمية وتطوير التعليم، والفساد المستشري فيها.
وتؤكد الأرقام والإحصائيات على خطورة مشكلة الأمية في العالم الناطق بالعربية: فحسب اليونسكو: بلغت نسبة الأمية بين الشباب في هذه الدول حوالي 25% عام 2019، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالدول الأخرى. وتتفاوت هذه النسبة بين هذه الدول، حيث تعاني بعضها من نسب عالية جدًا، بينما حققت دول أخرى تقدمًا ملحوظًا في محو الأمية. وتعاني النساء من نسبة أمية أعلى من الرجال في العديد من هذه الدول، وذلك بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية التي تحد من فرص تعليم المرأة.
وتؤثر الأمية سلبًا على الفرد والمجتمع على حد سواء، حيث تؤدي إلى: تقييد فرص العمل، إذ يجد الأميون صعوبة في الحصول على وظائف جيدة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر. كما يؤدي انخفاض مستوى التعليم إلى تدني المستوى المعيشي للأفراد والأسر وصعوبة المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية (يجد الأميون صعوبة في فهم القضايا السياسية والاجتماعية والمشاركة في اتخاذ القرارات) وتخلف المجتمع (تؤدي الأمية إلى تخلف المجتمع وتأخر تقدمه، حيث يعتمد التقدم على التعليم والمعرفة.)
ولمواجهة مشكلة الأمية، يجب القيام بدراسات شاملة وكاملة واتخاذ مجموعة من الإجراءات، لعل ابرزها  توفير التعليم المجاني والإلزامي لجميع الأطفال والشباب وتطوير المناهج الدراسية لتناسب احتياجات سوق العمل وتشجيع التعلم مدى الحياة وتدريب المعلمين على استخدام أساليب تدريس حديثة وفعالة وتوفير البنية التحتية التعليمية الضرورية من مدارس ومكتبات ومختبرات مجهزة بالوسائل التعليمية الحديثة. كما يجب تشجيع التعليم غير النظامي للأميين والكبار. ومن الضروري أيضا توعية المجتمع بأهمية التعليم ودوره في التنمية وتحسين ظروف عيش الأفراد.
تعتبر الأمية تحديًا كبيرًا يواجه المجتمعات الناطقة بالعربية، ولكن يمكن التغلب عليه من خلال تضافر جهود الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص. ويجب الإستثمار في التعليم وتوفير الفرص التعليمية للجميع، حتى نتمكن من بناء مجتمعات متعلمة ومتقدمة.

.

🟡 مروى في عالم غريب (قصة قصيرة)

مروى في عالم غريب
.
في صباحٍ رماديٍّ هادئ، كانت مروى تجلس في غرفتها تتأمل قطرات المطر التي تنزلق على زجاج النافذة. الحياة في مدينتها الصغيرة كانت هادئة ورتيبة، لا شيء جديد يلوح في الأفق. لكن في ذلك اليوم، قررت أن تغير الروتين وخرجت في نزهة إلى الغابة المجاورة، تحمل في يدها دفتر ملاحظاتها وقلمها المفضل، على أمل أن تجد مصدر إلهام للكتابة.
حين وصلت إلى قلب الغابة، استرقت السمع إلى حفيف الأشجار وأصوات الطيور. كان هناك شيء غريب في الجوّ، كأن الطبيعة تنتظر شيئًا ما. فجأة، وقعت عيناها على شجرة ضخمة ذات لحاء غريب يشبه المرايا. مدفوعة بفضولها، اقتربت مروى منها ولمست السطح اللامع. في اللحظة التي فعلت فيها ذلك، شعرت بدوار عجيب، وكأن الأرض تحت قدميها تختفي.
---
عندما فتحت عينيها، وجدت نفسها في مكان يشبه مدينتها تمامًا، لكن كل شيء كان مختلفًا بطريقة مريبة. السماء كانت بلون أرجواني داكن، والشمس كانت تبدو كقرص من الزمرد الأخضر. المباني كانت مألوفة، لكنها متوهجة بخطوط ذهبية، والأشجار كانت تصدر ألحانًا خافتة كأنها تغني.
بدأت تمشي في الشوارع، وهي تحاول استيعاب هذا العالم الغريب. لاحظت أن الناس هنا يشبهون سكان مدينتها، لكن ملامحهم كانت أكثر إشراقًا وأعينهم تتوهج بضوء خافت. فجأة، رأت نسخة أخرى من نفسها، مروى أخرى، تجلس في مقهى وتضحك مع أصدقاء لم ترهم من قبل. شعرت برعشة تسري في جسدها؛ هل هو حلم أم حقيقة؟
حاولت مروى الاقتراب من النسخة الأخرى، لكن قدمًا غريبة إعترضتها. وجدت أمامها كائنا يشبه الإنسان لكنه بأذنين طويلتين وعينين لامعتين كالجواهر. قال لها بصوت هادئ لكنه عميق: "أنتِ لستِ من هنا، أليس كذلك؟"
هزت رأسها بخوف وارتباك. قال الكائن: "هذا العالم موازي لعالمك، لكنه ليس مكانًا يجب أن تبقي فيه طويلًا. كل دقيقة تقضينها هنا تغيّر شيئًا في عالمك الحقيقي."
سألته مروى بصوت مرتجف: "كيف أعود؟ ثم لماذا أنا هنا أصلا؟"
ابتسم الكائن ابتسامة غامضة وقال: "الشجرة هي المفتاح، لكنها ستفتح لك الباب فقط إذا أثبتِّ أنكِ تفهمين الفرق بين العالمين."
---
على مدار الأيام التالية، تجوّلت مروى في هذا العالم، محاولًة فهم قوانينه الغريبة. لاحظت أن الناس هنا يعيشون بتناغم تام مع الطبيعة، لا صراعات ولا قلق. لكن رغم الجمال الظاهر، شعرت بشيء غير مريح، كأن كل شيء مثالي أكثر مما يجب.
في أحد الأيام، اكتشفت مكتبة قديمة مليئة بالكتب التي تحكي عن عوالم متعددة. عثرت على كتاب يحكي عن الشجرة التي عبرت من خلالها. قرأت فيه أن الشجرة ليست مجرد بوابة، بل هي اختبار. إذا أراد شخص العودة إلى عالمه، عليه أن يواجه نفسه الحقيقية.
أدركت مروى أن عليها مواجهة النسخة الأخرى منها. ذهبت إلى المقهى حيث رأت نفسها أول مرة. عندما اقتربت، نظرت النسخة الأخرى إليها وابتسمت قائلة: "كنتُ أنتظرك."
جلستا معًا وتحدثتا لساعات. اكتشفت مروى أن هذه النسخة منها هي تجسيد لكل ما كانت تخشاه أو ترغب فيه. كانت أقوى، أكثر ثقة، وأكثر حرية. قالت لها النسخة الأخرى:
"لكي تعودي، عليكِ أن تقبلي بكل جوانبك، الجيد والسيئ. لا يمكن أن تهربي من نفسك إلى الأبد."
---
بعد المواجهة، عادت مروى إلى الشجرة ووضعت يدها على لحائها. شعرت بطاقة تسري في جسدها، وعندما فتحت عينيها، وجدت نفسها في غرفتها. كل شيء بدا عاديًا، لكن مروى شعرت أنها تغيرت. أصبح العالم الحقيقي أقل رتابة، وأكثر جمالًا.
لم تخبر أحدًا بما حدث، لكنها تعلمت درسًا عميقًا: أحيانًا، علينا أن نرى أنفسنا من زاوية مختلفة لنفهم حقيقتنا.
.


🔴 الذكاء الإصطناعي: الواقع، الٱفاق والمستقبل (مقال)

 الذكاء الإصطناعي: الواقع، الٱفاق والمستقبل


.
شهد العالم في العقود الأخيرة ثورة تكنولوجية هائلة، وكان الذكاء الإصطناعي (AI) من أبرز هذه التطورات. ويمثل الذكاء الاصطناعي تقنيات متقدمة تحاكي القدرات البشرية، مثل التفكير، التعلم، وإتخاذ القرارات، مما يجعلها قادرة على التأثير بشكل جذري في جميع مجالات الحياة.
برز الذكاء الاصطناعي كفرع جديد من علوم الحاسوب، وهو يهدف إلى تطوير أنظمة وبرامج قادرة على تنفيذ مهام تتطلب ذكاءً بشريًا. يتضمن ذلك التعلم الآلي (Machine Learning)، التعلم العميق (Deep Learning)، ومعالجة اللغة الطبيعية (NLP)، وغيرها من المجالات الفرعية.
وقد إنتشر إستعمال الذكاء الاصطناعي في كافة المجالات تقريبا. ويُعتبر مجال الرعاية الصحية من أكبر المستفيدين من الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال، تمكنت أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل "IBM Watson Health" من تحليل كميات ضخمة من البيانات الطبية لتقديم توصيات دقيقة بشأن التشخيص والعلاج. وفي عام 2020، ساعد الذكاء الاصطناعي في تسريع تطوير لقاحات COVID-19، حيث قامت خوارزميات التعلم الآلي بتحليل البنية الجينية للفيروس لاكتشاف التكوينات المثلى للقاحات.
ويُحدث الذكاء الاصطناعي منذ سنوات ثورات متواصلة في قطاع التعليم عبر تقديم حلول تعليمية مخصّصة لكل طالب. توفّر منصات مثل "Khan Academy" أنظمة تعتمد على التعلم الآلي لتحليل أداء الطلاب واقتراح خطط تعليمية تتماشى مع مستواهم وإحتياجاتهم. وفي المستقبل، يمكن أن يحلّ الروبوت محلّ المدرسين في تقديم دروس متقدمة أو المساعدة في تصحيح الإمتحانات بدقة وسرعة ونجاعة أكثر.
كما تعتمد المصانع الذكية بشكل كبير على تقنيات الذكاء الاصطناعي لزيادة الكفاءة وتحسين الجودة. على سبيل المثال، تستفيد شركات مثل "Tesla" من الروبوتات الذكية في خطوط الإنتاج لتصنيع السيارات الكهربائية. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يعتمد أكثر من 70% من المصانع العالمية على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الإنتاجية وخفض التكاليف.
اما في مجال الزراعة، فيُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات التربة، التنبؤ بالطقس، ورصد صحة المحاصيل. وكمثال، نجد أن شركة "John Deere" الأمريكية تستخدم طائرات بدون طيار تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد الحقول والكشف عن الآفات الزراعية مبكرًا.
ويشهد قطاع النقل هو أيضا تحولات كبيرة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتُعد السيارات ذاتية القيادة، مثل تلك التي تطورها شركتا "Waymo" و"Tesla"، من أبرز الابتكارات. ومن المتوقع أنه بحلول عام 2040، ستكون السيارات ذاتية القيادة مسؤولة عن أكثر من 50% من حركة النقل في المدن الكبرى.
أما في مجال التجارة الإلكترونية، فتعتمد منصات مثل "Amazon" و"Alibaba" على الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستهلكين وتقديم توصيات شراء مخصصة. كما تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين تجارب العملاء، سواء من خلال روبوتات المحادثة أو أنظمة خدمة العملاء.
من ناحية أخرى، ومع زيادة التهديدات السيبرانية، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة أساسية للكشف عن الاختراقات وحماية الأنظمة. وتقوم شركات مثل "Darktrace" بتطوير خوارزميات قادرة على اكتشاف الهجمات في الوقت الفعلي والتعامل معها قبل أن تسبب أضرارًا كبيرة. ولعل المضحك في الأمر أن الكثير من الهجمات الإلكترونية اليوم تتم بإستعمال الذكاء الإصطناعي في كشف الثغرات وصنع فيروسات بإمكانها تجاوز خطوط الحماية الموضوعة في النظام المستهدف.
وهذا يقودنا للتفكير في التحديات المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي. فرغم فوائده الكثيرة، يثير هذا الذكاء تحديات كبيرة لعل أهمها ما يتعلّق بالأخلاقيات؛ فقد يؤدي الاستخدام الخاطئ للذكاء الاصطناعي إلى انتهاكات للخصوصية أو تمييز غير عادل. كما أنه مع ازدياد الاعتماد على الأتمتة، قد يخسر ملايين الأشخاص وظائفهم التقليدية، مما يؤدي إلى تفاقم البطالة مع ما يتبعها من مشاكل. ثم أن تقنيات الذكاء الإصطناعي قد تُستخدم في تطوير أسلحة ذاتية التحكم أو في هجمات سيبرانية معقدة ومتطورة أو متفاعلة فوريّا مع الإجراءات المتخذة من طرف النظام المستهدَف.
ويتوقع الخبراء أن يشهد الذكاء الاصطناعي تطورات هائلة في العقود القادمة. بحلول عام 2050، قد تصبح الأنظمة الذكية قادرة على التفاعل مع البشر بطريقة تفوق قدراتنا الحالية. على سبيل المثال: في مجال الطب، قد نرى روبوتات جراحية قادرة على إجراء عمليات معقدة دون تدخل بشري. وفي التعليم، قد يتم تطوير معلمين افتراضيين يتفاعلون مع الطلاب بشكل فردي. وفي مجال المناخ، قد تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي في وضع حلول مبتكرة لمواجهة تغير المناخ وتحقيق إستدامة بيئية.
إذن، لا شكّ في أن الذكاء الاصطناعي يمثل مستقبلًا واعدًا، ولكن نجاحه يعتمد على كيفية توظيفه بشكل مسؤول لتحقيق التقدم البشري. لذلك، من الضروري أن يتكاتف العلماء وتتعاون الأنظمة لصياغة سياسات وأطر أخلاقية تضمن إستفادة الجميع من هذه الثورة التكنولوجية بشكل عادل ومستدام.
.

الخميس، 23 يناير 2025

🔴 تعليقا على مقال علاء اللامي - شهادة لباحث غربي حول الإلحاد الجديد المعادي للإسلام حصرا (مقال)

.

تعليقا على مقال علاء اللامي 

"شهادة لباحث غربي حول الإلحاد الجديد المعادي للإسلام حصرا"

.

نشر علاء  اليوم مقالا بعنوان "شهادة لباحث غربي حول الإلحاد الجديد المعادي للإسلام حصرا" تحدث فيه عن مقال لكاتب استرالي وصفه بـ"المنصف" موضوعه الملحدون الجدد وهجومهم على الإسلام. ومن الملاحظ أن علاء اللامي قد أغلق التعليقات على مقاله بالكامل، وهذا تصرّف يشي بخوف الكاتب ممن يعلّق على كلامه ويبيّن له أخطاءه وضيق أفق رؤيته أو إنحيازه اللامنطقي وغير المبرر لرأي دون ٱخر. لذلك أردت التعليق على هذا المقال في مقال أجمع فيه ملاحظاتي الأوّليّة... فالموضوع كبير وقد يطول الحديث عنه.
هذه الملاحظات نبدأها كما يلي:
أولا، يقول الكاتب "أن عداء بعض دعاة الإلحاد في عصرنا للإسلام على جهة التخصيص يختلف تماما عن الإلحاد الفلسفي العقلاني الذي يتعامل مع جميع الأديان من منطلق فلسفي واحد." فهل العداء للإسلام تهمة او جريمة؟ لا. من حق أي شخص أن يعادي ما يريد من الأفكار. وأنت نفسك تعادي الإلحاد (وإلا لما كتبت هذا المقال). إذن، فكما ترى من حقك أن تعادي الإلحاد، من حق الملحدين أن يعادوا الإسلام، وعلى جهة التخصيص ايضا، دون أن يكونوا ملزمين بتبىير ذلك. العداء للإسلام او ما يسمى "إسلاموفوبيا" هو حقّ إنسانيّ لا جدال فيه، يندرج تحت حرية التعبير والضمير. فهل انت مع حرية التعبير والضمير أم ضدّها؟ الواضح انك مع الحرية، وإلا لما نشرت مقالاتك في موقع الحوار المتمدن. فلا تكن منافقا، تعطي نفسك الحق في شيء وتمنعه عن غيرك.
ثانيا، الإلحاد ليس بالضرورة على الشكل الذي تتخيّله. أنت تصنع لنفسك أنموذجا للإلحاد وتريد أن ترى كل الملحدين يلتزمون به. فهل يصح هذا؟ وقولك "بعض دعاة الإلحاد" يتناقض مع رجل القش الذي صنعته. الإلحاد هو فقط "عدم تصديق خرافات الأديان بسبب عدم وجود أدلة تثبت صحتها وبسبب فشل المؤمنين (أصحاب الإدعاء) في الإتيان بأدلّة تثبت صحة أكاذيب الكتب المنسوبة للسماء. هذه هي النقطة الوحيدة التي يلتقي عندها كل الملحدين. أما بقية التفاصيل (طريقة طرح الأسىلة والإشكاليات، طريقة التفكير، طريقة التعبير، التركيز على دين واحد أو على أكثر من دين، إلخ) فهذه أشياء متروكة لطبيعة كل ملحد وطبيعة خلفيّته وثقافته وبراعته في صياغة أفكاره واسلوبه الخاص (الميل إلى التحليل العقلاني، الطرح الفلسفي، الطرح العلمي التجريبي، السخرية، الإستهزاء، إلخ). فلا تصنع رجل قش في المرة القادمة.
ثالثا، تقول "واليوم، ومن منطلق التلاقي المضموني مع باحث غربي منصف، أنشر هنا مقتبساً من دراسة لباحث أسترالي هو وليم إميرسون. الدراسة بعنوان "الإلحاد الجديد والإسلام"، انطوت على مضمون شديد القرب من مضمون كلامي هذا." ما معنى باحث غربي منصف؟ ما المقياس الذي يمكننا من خلاله غربلة الباحثين بين باحثين منصفين وباحثين غير منصفين؟ لا شيء. لا يوجد مقياس. إذن، تصنيفك مبني على حكمك الشخصي فقط. فهل الحكم الشخصي "عقلاني" (بما انك تطرح فكرة العقلانية)؟ لا. بل هو حكم عاطفي تبنّيته انت بسبب توافقه مع ما تعتقده. فأين العقلانية التي تطالب بها الٱخرين؟
رابعا، انت تقول "حبذتُ أن أعود إلى الدراسة الأصلية نفسها وترجمت منها بعض الفقرات بترجمتي غير الاحترافية. كتب إميرسون: "إنَّ "الجديد" في كتابات الملحدين الجدد ليس عدوانيتهم، ولا جماهيريتهم غير العادية، ولا حتى نهجهم العلمي في التعامل مع الدين، بل هو هجومهم ليس فقط على الإسلاموية السياسية المتشددة، ولكن أيضاً على الإسلام "الدين" نفسه تحت ستار نقدهم العام للدين. لقد ساهمت الحركة الإلحادية الجديدة في تقوية العداء ضد الإسلام وربما تكون قد ألهبت العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين." الا ترى ان الكلام متناقض؟ يعني الملحدون الجدد يتعاملون مع الدين وفقا لنهج علمي ولكن هذا لا يعجب إميرسون ولا يعجبك أنت ايضا. وفي نفس الوقت تطالب بنهج فلسفي عقلاني؟ أليس العلم مبنيا على الأدلة الواضحة والتجريبية؟ وحتى لغويا، أليست الأدلة العلمية أعلى درجة من الحجج الفلسفية؟ ثم ما الضرر في هجوم الملحدين على الإسلام كدين؟ أليس هذا هو عين المنطق؟ الإسلام مرض وتطرف المسلمين أحد اعراضه ومن المنطقي والمفهوم أن تتوجّه الجهود لمحاربة المرض نفسه، وليس الإهتمام بأعراضه. من اعراض الإصابة بفيروس كورونا إرتفاع درجات حرارة الجسم، فهل نكتفي بإعطاء المريض دواء يخفّض الحرارة أم نعطيه تلقيحا يستهدف الفيروس نفسه؟ كذلك الحال مع الإسلام.
أكتفي بهذه النقاط في الوقت الحالي، نظرا لضيق وقتي، وقد أتطرق للموضوع في وقت لاحق.
.

🟡 الطفل الذي لا يكبر (قصة قصيرة)

.

 الطفل الذي لا يكبر

.
في إحدى القرى الصغيرة، حيث الحياة هادئة والطبيعة تغمر المكان بجمالها، عاشت عائلة البدراني حياة بسيطة ومستقرة. كان لديهم إبن واحد يُدعى سامي، وُلد في ليلة قمرية مليئة بالنجوم المتلألئة. بدا سامي منذ ولادته طفلًا مختلفًا، فملامحه كانت تحمل براءة غير عادية ونورًا يلفت الأنظار.
كبر سامي عامًا بعد عام كبقية الأطفال، أو هكذا بدا في البداية. لكن حين بلغ الخامسة، توقفت ملامحه عن التغير.
كانت والدة سامي، ليلى، أول من لاحظ الأمر. في عيد ميلاد سامي الخامس، وقفت تتأمل صوره المعلقة على الجدران. كانت جميعها متشابهة، كأن الزمن قد توقف بالنسبة له.
قالت لزوجها أحمد: "ألا تلاحظ أن سامي لا يتغير؟ لقد بقي وجهه كما هو منذ سنوات."
حاول أحمد طمأنتها: "ربما هو مجرد تأخر طبيعي. الأطفال يختلفون."
لكن القلق تسلل إلى قلبيهما.
عندما بلغ سامي العاشرة، ولم يتغير شكله أو طوله أو صوته، قررت العائلة عرضه على الأطباء. أُجريت له عشرات الفحوصات والتحاليل، لكن النتائج كانت صادمة. لم يكن هناك أي خلل جسدي، ولا مرض وراثي يفسر حالته. كان جسده يعمل بشكل طبيعي، لكنه ببساطة توقف عن التقدم في العمر.
"هذه حالة نادرة جدًا... أو ربما غير مسبوقة،" قال أحد الأطباء بحيرة.
عادت العائلة إلى منزلها محمّلة بأسئلة كثيرة دون أيّ جواب.
في البداية، حاولت الأسرة إخفاء الأمر. لكن في قرية صغيرة كهذه، لا يمكن إخفاء الأشياء طويلًا. بدأ الناس يلاحظون أن سامي لم يتغير منذ سنوات. تساءل الجيران: "هل هذا سحر؟ أم لعنة؟"
تحولت النظرات الفضولية إلى همسات وشائعات. بعضهم ظن أن العائلة تخفي سرًّا مظلمًا، وآخرون ظنوا أن سامي هبة من السماء.
لم يكن سامي نفسه يدرك حجم الغرابة في حالته. كان مجرّد طفل يعيش حياته بمرح، لكنه شعر بالعزلة حين بدأ أصدقاؤه يكبرون ويلتحقون بالمدارس الثانوية، بينما ظل هو عالقًا في جسد طفل صغير.
عندما بلغ سامي العشرين – جسديًّا كان لا يزال كما في الخامسة من عمره – قرر أحمد وليلى البحث عن أي تفسير. سمعت العائلة عن شيخ عجوز حكئم يعيش في أعماق الجبال، يُقال إنه يعرف خبايا وأسرار الحياة.
سافروا أيامًا للوصول إليه. وعندما رأى الشيخ سامي، أطلق تنهيدة طويلة وقال: "لقد توقّعت قدومكم."
روى لهم الشيخ قصة قديمة عن "الأطفال النّورانيّين"، وهم أطفال يولدون بقدر خاص، لا يشيخون ولا يموتون إلا إذا اكتمل غرضهم في الحياة. "سامي ليس إنسانًا عاديًا. إنه يحمل رسالة، لكن لا أحد يعرف ماهيّتها. قد يكتشفها بنفسه وقد لا يكتشفها."
عادت العائلة إلى المنزل، لكنها لم تعد كما كانت. أصبحوا يتقبلون وضع سامي كجزء من حياتهم. بدلاً من الحزن على حالته، قرروا دعمه ليكتشف غايته في هذه الحياة.
سامي، رغم كل شيء، بدأ يلاحظ أن وجوده يحمل تأثيرًا عميقًا على من حوله. كان يلهم الناس بالفرح، ويمنحهم الأمل بوجهه الطفولي وضحكته البريئة. أدرك أنه ربما هذا هو قدره: أن يكون رمزًا للنقاء والبراءة في عالم يغرق بالهموم.
مع مرور العقود، أصبح سامي قصة تُروى في القرية وخارجها. لم يعرف أحد سرّه بالكامل، ولم يعرف هو نفسه متى سينتهي زمنه. لكنه عاش كل يوم كما لو كان الأخير، مُثبتًا أن العمر الحقيقي لا يُقاس بالسنوات، بل بما نتركه من أثر في قلوب الآخرين.
.

🟡 المقايضة الغامضة (قصة قصيرة)

.

 المقايضة الغامضة

.
في زاوية معتمة من السوق القديم، حيث تتداخل الروائح المختلفة من التوابل، والبخور، والعطور، وقف رجل غريب بجانب عربة خشبية صغيرة. بدا الرجل وكأنه خرج من زمن بعيد، يرتدي معطفًا طويلًا باهت اللون وقبعة عريضة تُخفي ملامحه. لم يكن أحد يعرف إسمه، لكنه كان يُعرف في أرجاء المدينة بـ"بائع المعجزات".
عُرفت عربة الرجل بمظهرها الغريب؛ خشبها القديم محفور عليه رموز غامضة، تتوهج أحيانًا بضوء باهت كما لو أنها حيّة. خلف العربة، رُصّت صناديق صغيرة مغطّاة بأقمشة سوداء. على لوح خشبي مُهترئ أمامه، كُتب بخط يد مرتجف: "أشياء لا تُقدّر بثمن مقابل شيء لا يُقال".
لم يكن أحد يعرف طبيعة تلك "الأشياء" التي يقدمها، لكن القصص عنه كانت تنتشر كالنار في الهشيم.
في صباح يوم رمادي ثقيل، تقدمت فتاة تُدعى ليلى نحو عربة البائع. كانت ليلى فتاة طموحة تعيش حياة متواضعة وتعمل بائعة زهور. لكن قلبها كان مُثقلًا بحزن عميق؛ فقد أُصيبت والدتها بمرض خطير، ولم يكن لدى ليلى المال لعلاجها.
وقفت أمام البائع، تحاول استجماع شجاعتها. رفع الرجل رأسه ببطء، وعيناه كأنهما حُفرتان مظلمتان لا قاع لهما. قال بصوت هادئ لكنه يحمل ثقلًا غامضًا: "أنتِ تبحثين عن أمل."
ارتجفت ليلى، لكنها أومأت برأسها. أشار الرجل إلى صندوق صغير يغطّيه قماش سميك أسود. "في هذا الصندوق علاج لوالدتك. ولكن المقايضة ليست بالمال."
ترددت ليلى، لكنها وافقت. شعرت بوخز خفيف في معصمها عند توقيعها اتفاقًا غامضًا كتبه الرجل بلغة لم تفهمها. أعطاها الصندوق، وعادت به إلى المنزل.
داخل الصندوق، وجدت ليلى زجاجة صغيرة تحتوي على سائل بلون الفضة لا رائحة له. لم تكن تعرف كيف تستخدمه، لكنها صبّته في كوب وقدّمته لوالدتها. في غضون دقائق، إستعاد وجه والدتها نضارته، وعادت تتنفس بسهولة كما لو أن المرض لم يكن موجودًا.
لكن الفرحة لم تدم طويلًا. ففي صباح اليوم التالي، إستيقظت ليلى لتجد أنها فقدت القدرة على الكلام. صراخها لم يُسمع، وكلماتها تحوّلت إلى فراغ.
مع مرور الأيام، بدأت ليلى بمراقبة البائع عن بعد. إكتشفت أن من يتعامل معه يفقد شيئًا غاليًا لديه: صوت، ذاكرة، أو حتى عاطفة معينة. لم يكن أحد يعرف كيف يختار البائع ما يأخذه، لكنه دائمًا يختار شيئًا لا يقدّره الشخص في البداية، لكنه يصبح جوهريًا فيما بعد.
حاولت ليلى إستعادة صوتها. ذهبت إليه مرة أخرى، لكنه رفض. "المقايضات لا تُلغى،" قال لها. لكن عينيه كانتا تحملان نظرة حزن، كما لو أنّه لا يستمتع بما يفعل.
في يوم عاصف، قرّر شاب مغامر يُدعى عادل مواجهة البائع. كان عادل قد فقد ذكرياته عن حبه الأول بعد أن أخذ منه البائع "ذكرى ثمينة" مقابل قوة خارقة.
"لماذا تفعل هذا؟" سأله عادل بغضب.
تنهّد البائع وأجاب بصوت خافت: "أنا أسير لعنة قديمة. أُجبرت على تقديم هذه المقايضات لجمع أرواح الأشياء التي لا تُقدّر بثمن. عندما يصل الصندوق الأخير إلى الاكتمال، أستطيع أن أتحرر."
أثار هذا الكلام فضول عادل، لكنه لم يستطع معرفة المزيد؛ فقد إختفى البائع وسط ضباب كثيف.
ظل السوق يروي قصص البائع الغامض، وظلّ الناس يتردّدون بين الخوف والرغبة. هل يستحق الأمر المقايضة فعلاً؟ وهل سيأتي يوم يُكشف فيه سرّ البائع؟
ربما كانت الإجابة مخفية داخل أحد صناديقه الغامضة، في إنتظار من يمتلك الشجاعة لكسر القواعد.
.

⚫ نحن غبار النجوم - خمسون قصيدة هايكو (شعر)

 نحن غبار النجوم 

- خمسون قصيدة هايكو -




1.
نجم بعيد،
يشعل ظلمة الفضاء،
صوت الصمت.

2.
مجرة تدور،
رقصة أبدية،
لا تنتهي.

3.
شهب في الليل،
رسمٌ سريع يذوب،
على صفحة السماء.

4.
ثقب عميق،
يبتلع الضوء بعيدًا،
سرٌ أزلي.

5. السماء صامتة،
لكنها تهمس دومًا،
بأننا جزء منها.

6. زهرة تنمو،
من شقوق حجر بارد،
إرادة الحياة.

7. طفل يضحك،
الدهر يتوقف لحظة،
براءة الكون.

8. ظل شجرة،
ملجأ لتعب العابرين،
راحة صغيرة.

9. حلم الإنسان،
يجوب الأرض والسماء،
لا حدود له.

10. مسار طويل،
يبدأ بخطوة واحدة،
صبر الحياة المعتاد.

11. أوراق خريف،
ورقصات الريح تروي،
قصص الأشجار.

12. قمر كامل،
مرآة السماء الليلية،
في صمت منير.

13. نهر يجري خفيفا،
يعانق الصخور بلطف،
أنشودة الزمن.

14. جبل بعيد،
يحتضن الغيوم بحب،
عظمة الطبيعة.

15. غابة عميقة،
أصوات العصافير فيها،
لحن الحياة.

16. بحر واسع،
يحتضن القمر ليلاً،
سرٌ قديم متجدّد.

17. شجرة وحيدة،
تحت قبة السماء،
قوة الصّمود.

18. نجمة تسقط،
تضيء الأفق للحظة،
ثم تختفي.

19. موجة تهدأ،
قبل أن تنادي أخرى،
دورة بلا نهاية.

20. قطرات ندى،
تعكس الكون صباحًا،
سحر صغير.

21. حياة قصيرة،
لكنها كالبرق تمرّ،
مليئة بالضّوء.

22. الريح تغني،
للوادي المهجور،
نغمة الحرية.

23. في حضن الليل،
تتحدث النجوم بصمت،
عن أسرار الكون.

24. شمس المغيب،
تنسج خيوط الذهب،
فوق صفحة الماء.

25. زهرة تتفتح،
في أول شعاع صبح،
في أمل جديد.

26. خطوات وحيدة،
على الرمل المنسي،
تعود للبحر.

27. في حضن الغيم،
تبحث الطيور عن بيت،
بين الٱفاق.

28. جبل شامخ،
يحتضن الأحلام صمتًا،
لا يخبر أحدًا.

29. زهرة بريّة،
تنمو رغم الرياح،
حياة بسيطة.

30. نهر صامت،
يحمل أسرار الأرض،
دون أن يفشيها.

31. لحظة وداع،
تحملها الريح بعيدًا،
نحو الأفق.

32. صباح جديد،
كل شيء يعيد نفسه،
لكن برؤية أخرى.

33. صوت المطر،
ينقش على الزجاج،
حكايات شتاء.

34. أنفاس الحياة،
مختبئة بين الزهور،
تتجدد دائمًا.

35. ربيع هادئ،
تتفتح الأزهار فيه،
كأنها تحلم.

36. القمر يسطع،
ليل بلا نهاية،
مرآة الماء.

37. شجرة عملاقة،
تحضن العصافير بحبّ،
كأنها أمّ.

38. سراب بعيد،
يروي العطش بنظرة،
ثم يختفي.

39. بين الجبال،
صدى يغني وحده،
صوت الحياة.

40. نجم صغير،
يضيء الكون الواسع،
بكل قوة.

41. الزمن يمضي،
لكنه يترك أثرًا،
على كل شيء.

42. دائرة الكون الممتدّ،
لا بداية لها،
ولا نهاية.

43. في ضوء الفجر،
يرسم الزمن حكاية،
على الرمال.

44. ليلة مظلمة،
لكنها تحمل أملًا،
بنجم جديد.

45. دورة الأيام،
تعلمنا كيف نعيش،
في كل لحظة.

46. الريح تعوي،
تعانق الغابة خوفًا،
من الوحدة.

47. الشلال يسقط،
لكن لا ينتهي أبدًا،
جمال التكرار.

48. تحت القمر،
الأرض تنام بهدوء،
رغم الضجيج.

49. في حضن الليل،
يتنفس الكون حلمًا،
ينتظر الصباح.

50. زهرة بسيطة،
تعلم الإنسان حبًا،
لا يزول.

.


الأربعاء، 22 يناير 2025

🔴 غزّة: على نفسها وأهلها جنت براقش (مقال)

غزّة: على نفسها وأهلها جنت براقش
 17-08-2024



منطقيّا، حين تُقدم على فعل ما، يجب أن تكون قد فكّرت مسبقا في نتائجه وعواقبه على المدى القصير والمتوسط، مثلما فكرت في طريقة فعله والأدوات المستخدمة ووقت البداية، إلخ. بل يجب ان تكون قد وضعت في الحسبان تقييما للأرباح المراد تحقيقها وللخسائر المتوقّعة وهل كفّة الارباح هي الأثقل أم كفّة الخسائر.
.
يوم السابع من أكتوبر 2023، غمر الفرح أرجاء العالم العربي والإسلامي وخرج العرب والمسلمون مهلّلين فرحين مبتهجين بما فعلته حماس وشامتين في الإسرائيليين وفي كل اليهود. ذكّرني هذا بتهليل المسلمين وفرحهم حين تم ضرب برجي التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية وشماتتهم في من ماتوا وإبراز كمّ هائل من الكراهية تجاه أمريكا التي تعلّموا من خلال الدمغجة العربية والإسلامية أنها "الشيطان الأكبر". ماذا حدث بعد ذلك؟ تمّ نكاح الأفغان والعراقيين. وبما أن الشيء بالشيء يذكر، وبما ان تاريخ العرب والمسلمين كرجل يقف مكانه منذ ألف واربعمائة عام، وكلّ يوم يعيد نفس الأخطاء التي إرتكبها بالأمس، دون أن يتعلّم من أخطائه أو حتّى يفكّر في تداعيات الفعل قبل أن يقوم به، بما أن الشيء بالشيء يذكر، كان رأيي أنّ المصائب التي ستصيب الفلسطينيين من جرّاء هذه المجزرة لن يستطيع أحد إيقافها وأنّها ستكون فاتحة لمجازر لن يسلم منها لا الاخضر ولا اليابس. وهذا بالضبط كان ردّي على أحد الزملاء المهللين لحماس والفرحين بهذا "الإنتصار" الوهمي. قلت له: "الايّام بيننا. وستبكون دمٔا".
.
وهذا ما حدث. مغامرة إرهابيّي حماس غير محسوبة العواقب أدّت إلى هلاك أكثر من أربعين ألف قتيل من بين الفلسطينيّين. والعدّاد سيواصل العمل وقد تصل الحصيلة في النّهاية إلى أرقام لا يستطيع أحد التّفكير فيها. لأن من قاموا بمجزرة السابع من أكتوبر ومن طبّلوا لهم كانوا بلهاء لدرجة انّهم لم يفكّروا حتّى في أنّ إسرائيل ستردّ الصّاع صاعين إنتقاما لشعبها وحماية له من الإرهاب الإسلامي. وهذا ما يحدث منطقيّا في كلّ مكان.
.
وحتّى في الدّول العربية والإسلامية التي تنهق شعوبها يوميا على فيسبوك وتويتر وفي الشوارع وتتباكى على غزة في ممارسة حمقاء لنوع جديد من الجهاد قد ينزل جبريل بسورة بخصوصه يوما ما: "الجهاد الإلكتروني" أو لنقل "نضال اللّايك والشّير" تماشيا ايضا مع المصطلحات اليسارية الفاشلة. القوات المصريّة قامت بفضّ إعتصام رابعة الإرهابي لأنه كان يمثّل تهديدا للدولة والشعب وكان هذا الشعب يدعمها في جهودها ومساندا لها. كما كان مساندا لها في جهودها لتنظيف سيناء من الإرهابيين. لكن، وياللعجب، نفس هذا الشعب المصري الذي إنحاز للدولة وجيشها في مواجهة الإرهاب، إنخرط في دعم إرهابيي حماس. والسبب وراء هذا الدعم المتارجح ليس كراهيته للإرهاب بصفة عامة (فالإرهاب أمر قرٱني)، بل كراهيته المتوارثة منذ اربعة عشر قرنا لليهود. وكما انّ حكم المسلم على الكوارث خاضع للنفاق الديني المزروع في لاوعيه منذ نعومة أظافره (فعلى سبيل المثال: الكارثة التي تصيب المسلم يسمونها "إبتلاء" والكارثة التي تصيب غير المسلم يسمونها "عقابا")، فمشاعره وأفكاره بخصوص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني محكوم بنفس النفاق الديني. في حين ان أبسط قواعد التفكير المنطقي لو طبّقها أغبى مواطن مصري لأدّت به إلى مساندة إسرائيل ضدّ الإرهاب الإسلامي. نفس الشيء حدث في الجزاىر وفي تونس وفي العراق وسوريا واغلب الدول المسماة عربية إسلامية. أناس يعانون من الإرهاب ويدعمونه في نفس الوقت.
.
خلاصة الحديث، لكي لا نطيل كثيرا، تتمثّل في فكرة الغباء أو لنقل اللاوعي العربي والإسلامي. كانّك تتعامل مع أناس تم نزع أدمغتهم. أناس تحكمهم عواطفهم ويفعلون اشياء لا يقدّرون حتى حجمها وحجم تبعاتها ونتائجها.
.
 وشخصيا، رغم معارضتي لأي عملية قت مهما كانت أسبابها ودوافعها ومهما كانت هوية الجاني وهوية المجني عليه، إلا أنّي لا اشعر بأي تعاطف مع الفلسطينيين بصفة عامة (وقد نتحدث في وقت لاحق عن تاريخ هذا الشعب الإرهابي بإمتياز) ولا مع أهل غزة بصفة خاصة. فهم من ربّوا بين أحضانهم حركة حماس الإرهابية وهم وحدهم المسؤولون عن كل ما يحدث لهم اليوم. وكما يقول المثل: على نفسها وأهلها جنت براقش. وبراقش هي المسؤولة عن إيجاد حلّ للمشكلة التي تسببت فيها، دون بكائيّات ودون إستنجاد ببقية شعوب العالم. ففي النهاية، لا أحد يهتم. وحتى قادة حركة حماس الإرهابية مشغولون بجمع الأموال من كلّ حدب وصوب وتكديس الثروات وبعث الإستثمارات لتأمين مستقبل أبنائهم خارج غزة ولا وقت لديهم للتفكير في مصير أهل غزة، فهم في النهاية وسيلة للضغط على العالم وإبتزازه عاطفيا لكي يُمطرهم بالأموال.
.
وللحديث بقية.
.

🟡 المحادثة مع المستقبل (قصة قصيرة)

.

 المحادثة مع المستقبل

.

كان خالد شابًا في منتصف العشرينيات يعيش حياة عادية في قرية صغيرة، محاطًا بالحكايات القديمة التي ترويها جدته عن المرآة العتيقة التي تتوسط غرفة المعيشة. كانت المرآة متوارثة منذ أجيال، محفورة بإطار خشبي مزخرف بنقوش غريبة تثير الفضول. قيل إن هذه المرآة تمتلك سرًا غامضًا، لكنها بالنسبة لخالد لم تكن سوى قطعة أثاث قديمة.

في إحدى الليالي الهادئة، بينما كان خالد يجلس وحده في المنزل، انقطع التيار الكهربائي. لم يكن أمامه سوى ضوء شمعة يتراقص في الظلام. قرر قضاء الوقت بالتجول في المنزل، فتوقف أمام المرآة وتأمل انعكاسه. كان الجو غريبًا، والهدوء يثير في نفسه شعورًا غير مريح.

لكنه فجأة لاحظ أمرًا مريبًا؛ لم يكن الانعكاس يتطابق تمامًا مع حركاته. ابتعد خطوة عن المرآة، لكنها أظهرت شخصًا لا يتحرك. وقف خالد مذهولًا عندما سمع صوتًا منخفضًا يخرج من داخل المرآة، صوتًا يشبه صوته ولكنه أعمق وأكثر نضجًا.

قال الصوت: "مرحبًا، خالد. لا تخف، أنا أنت... بعد عشرين عامًا."

تسمر خالد في مكانه، عاجزًا عن الرد. أخيرًا، تمكن من سؤال مرتجف: "كيف يكون هذا ممكنًا؟ هل أنا أحلم؟"

ابتسم الانعكاس، أو بالأحرى نسخته المستقبلية، وقال: "الأمر حقيقي. هذه المرآة ليست عادية. إنها بوابة تربط بين زمانين. يمكننا الحديث الآن، لكن الوقت محدود."

بدأ خالد يشعر بخليط من الفضول والخوف. "لماذا تحدثني؟ ما الذي تريدني أن أعرفه؟"

تنهد الرجل في المرآة وقال: "هناك الكثير لتعرفه، لكن لن أخبرك بكل شيء. أحيانًا يجب أن تسير الأمور كما هي. ومع ذلك، سأحذرك من شيء واحد. بعد عام من الآن، ستواجه قرارًا سيغير حياتك. كن حذرًا، وفكر مليًا قبل اتخاذه."

حاول خالد الاستفسار أكثر: "ما هو القرار؟ وماذا سيحدث إن اتخذت الخيار الخاطئ؟"

لكن انعكاسه في المرآة بدأ يتلاشى تدريجيًا. "تذكر، المرآة ليست مجرد نافذة على المستقبل. إنها انعكاس لما في داخلك. إن لم تفهم نفسك الآن، لن تتمكن من فهمي لاحقًا. سأعود عندما يحين الوقت."

اختفى الانعكاس، تاركًا خالد وحده أمام المرآة. لم يستطع النوم تلك الليلة، وأخذ يفكر في الكلمات التي سمعها. ماذا يقصد بالقرار؟ وكيف يمكن للمرآة أن تكون انعكاسًا لما في داخله؟

على مدار الأشهر التالية، أصبحت المرآة جزءًا من يوميات خالد. كان يجلس أمامها كل ليلة، يحاول التحدث إلى انعكاسه المستقبلي، لكنه لم يظهر مرة أخرى. بدأ خالد يدرك شيئًا مهمًا: لكي يكون مستعدًا للمستقبل، عليه أن يفهم نفسه بشكل أفضل الآن.

---

مر عام على تلك الليلة الغامضة، ووجد خالد نفسه أمام مفترق طرق. عُرضت عليه فرصة مغادرة قريته الصغيرة للعمل في مدينة كبيرة، لكنه كان ممزقًا بين ترك عائلته وحياته المألوفة وبين اغتنام هذه الفرصة. في تلك اللحظة، تذكر كلمات انعكاسه في المرآة.

جلس أمام المرآة مرة أخرى، متأملًا انعكاسه. لم يظهر صوت المستقبل هذه المرة، لكن خالد لم يكن بحاجة إليه. لقد أصبح أكثر حكمة، وأكثر فهمًا لذاته. اتخذ قراره، ليس بناءً على الخوف من الخطأ، بل على ثقة بأنه يستطيع مواجهة أي شيء ينتظره.

وما إن وقف ليغادر، حتى لمح انعكاسًا خفيفًا في المرآة، وابتسامة من المستقبل، وكأنها تقول له: "أحسنت."

.

🟡 المدينة المغمورة (قصة قصيرة)

.

المدينة المغمورة

.

كان البحر هادئًا بشكل غريب ذلك الصباح، وأشعة الشمس تتراقص على سطح الماء. في عرض المحيط الأطلسي، كانت سفينة الأبحاث "نبتون" تبحر فوق منطقة يعرفها البحارة بقاعها العميق والمجهول. قاد البعثة عالم المحيطات الدكتور "ليام كارتر"، رجل ذو شغف لا يلين لاكتشاف الأسرار المخبأة في أعماق المحيط.

معه على متن السفينة كانت "إيلا"، عالمة آثار بحرية حادة الذكاء، و"ماكس"، مهندس غواصات شاب ذو خبرة في التعامل مع المعدات الحديثة. كانوا قد تلقوا إشارات غريبة من تحت الماء، إشارات بدت وكأنها نوع من الذبذبات المنتظمة، لم تكن طبيعية بأي حال.

"هذه ليست أصوات كائنات بحرية، وليست إشارات من السفن الغارقة. هناك شيء آخر هناك،" قال ليام بحماس وهو يراقب شاشة الرادار.

بعد يومين من التحضيرات، قرروا الغوص باستخدام الغواصة الصغيرة "أطلس". مع بداية النزول، شعر الفريق بشيء غريب، فالمياه أصبحت أكثر دفئًا، وكأنهم يقتربون من مصدر طاقة خفي. وبعد ساعات من الغوص، ظهرت أمامهم مشاهد لم يتوقعوها أبدًا.

مدينة كاملة، مغمورة تحت الماء، بنيت من هياكل حجرية عملاقة مغطاة بطبقات من الطحالب والشعاب المرجانية. كانت المباني ذات طراز معماري لا يشبه أي حضارة معروفة: أعمدة مزخرفة برموز غريبة، تماثيل لأشكال بشرية بعيون كبيرة، وقباب ضخمة تلمع بألوان قوس قزح بسبب انعكاس الضوء تحت الماء.

"هذا مستحيل..." تمتمت إيلا بدهشة وهي تضغط وجهها على زجاج الغواصة. "لقد قرأنا عن مدن غارقة كأطلانتس، لكن لم نجد شيئًا كهذا من قبل."

اقتربوا من الساحة المركزية للمدينة، حيث وقف تمثال ضخم على شكل كائن نصفه إنسان ونصفه سمكة. عند قاعدته كان هناك شيء أشبه بمذبح حجري عليه نقوش متوهجة بلون أزرق.

"النقوش هذه تشبه لغة رمزية قديمة... لكنها مختلفة تمامًا عما رأيناه من قبل،" قالت إيلا وهي تلتقط صورًا عبر كاميرات الغواصة.

ما أثار دهشتهم أكثر هو أن النقوش بدأت تتوهج بشكل أقوى عندما اقتربت الغواصة، وكأن المدينة "تستجيب" لوجودهم. فجأة، انفتح باب ضخم في أحد الأبنية الرئيسية، وخرج منه تيار ضوئي قوي جذب الغواصة نحوه.

حاول ماكس السيطرة على المركبة، لكنه لم يستطع. وجدوا أنفسهم يُسحبون داخل ممر مضاء بمصابيح طبيعية متوهجة كالكريستالات. عند نهايته، توقفوا في قاعة ضخمة تبدو كأنها مركز قيادة. على الجدران، شاشات حجرية تعرض صورًا ثلاثية الأبعاد لكوكب الأرض، ولكن ليس كما هو الآن، بل كما كان قبل آلاف السنين.

"هذه خريطة للأرض القديمة..." قال ليام وهو يشير إلى القارات التي تظهر على الشاشة، بعضها غير موجود في يومنا هذا.

وسط القاعة، كان هناك جهاز يشبه كرة زجاجية ضخمة تطفو في الهواء، ينبعث منها ضوء ناعم. اقتربت إيلا بحذر، وعندما لمست السطح الزجاجي، شعرت بدفق من الصور والأصوات يغمر عقلها. رأت مدنًا متطورة، مركبات تطير في السماء، وكائنات شبيهة بالبشر تتحدث لغة غريبة. ثم، رأت الطوفان العظيم الذي أغرق المدينة وجعلها تختفي عن وجه الأرض.

"هذه ليست مجرد مدينة غارقة... إنها حضارة متقدمة سبق أن سكنت الأرض!" صرخت إيلا عندما عادت إلى وعيها.

لكن الجهاز بدأ في إصدار صوت منخفض متزايد، وكأن شيئًا ما يُنشط داخله. فجأة، بدأ تيار من الطاقة يخرج منه، يملأ القاعة بضوء قوي.

"علينا المغادرة الآن!" صاح ماكس وهو يحاول إعادة تشغيل الغواصة.

لكن قبل أن يتمكنوا من الهروب، انفتح السقف فجأة، وقذفتهم قوة غامضة إلى سطح الماء. عندما استعادوا وعيهم على متن السفينة، لم يجدوا أي أثر للمدينة. كانت قد اختفت كما ظهرت.

"هل كنا نحلم؟" سأل ماكس بتردد.

لكن ليام، الذي أمسك بيده قرصًا صغيرًا كان قد التقطه من المذبح، نظر إليه وقال: "لا، لم يكن حلمًا. لدينا الدليل، وسنكتشف سرهم. لكن السؤال هو... هل نحن مستعدون لتحمل ما قد نكتشفه؟"

نظر الجميع إلى الأفق، حيث غابت الشمس وراء الأمواج، تاركة وراءها وعودًا غامضة وأسرارًا لم تُكشف بعد.

.

🟡 الأمنية الأخيرة (قصة قصيرة)

.
الأمنية الأخيرة
.
في قرية نائية، على أطراف غابة كثيفة، عاش العجوز "سالم" في كوخ خشبي متواضع. بلغ سالم من العمر تسعين عامًا، وكان يدرك أن أيامه معدودة. عاش وحيدًا بعد أن غادره الأحباب، وحمل معه ذكريات حياة طويلة مليئة بالإنجازات والأخطاء، الأفراح والأحزان.
في صباح يوم شتوي، بينما كان سالم يجلس على كرسيه الهزاز قرب المدفأة، سمع طرقًا خفيفًا على بابه. فتح الباب بحذر ليجد امرأة غريبة تقف هناك، كانت جميلة المظهر، بعيون تتلألأ كما لو أنها تحمل أسرار العالم. قالت له بصوت هادئ: "يا سالم، قضيت حياتك بعزلة وصمت، لكنك تستحق فرصة أخيرة لتختار شيئًا يغيّر حياتك. لدي هدية لك: أمنية واحدة تتحقق فورًا. لكن حذار، فكل اختيار له ثمن."
صُدم سالم وأحس أن هذه المرأة ليست عادية. فكر مليًا، وأدرك أنه إذا كان هناك شيء يندم عليه في حياته، فهو أنه لم يستطع تصحيح خطأ ارتكبه قبل خمسين عامًا. كان ذلك عندما اختلف مع أخيه الأصغر "جابر" بسبب قطعة أرض صغيرة، فتشاجر معه ولم يتحدث إليه منذ ذلك الحين.
رفع سالم رأسه ونظر إلى المرأة، قائلاً: "أريد أن أعود خمسين عامًا إلى الوراء، لأصلح علاقتي مع جابر."
ابتسمت المرأة وهزت رأسها: "كما تريد." ثم صفقت بيديها، وشعر سالم بدوار غريب. أغمض عينيه للحظة، وعندما فتحهما، وجد نفسه شابًا في الثلاثين من عمره، واقفًا في وسط الحقل الذي تسبب في الخلاف.
كان جابر هناك، بنفس الوجه الشاب الذي يتذكره، غارقًا في العمل. شعر سالم بسعادة ودهشة غامرة. أسرع نحو أخيه واحتضنه بقوة، مما أربك جابر. بدأ سالم يعتذر بشدة، يشرح له أنه أخطأ، وأنه لا يريد شيئًا سوى أن يكونا كما كانا من قبل.
في البداية، بدا جابر متحيرًا، لكنه بمرور الوقت بدأ يلين، وابتسم أخيرًا. عادت الأمور بينهما كما كانت، واستمر سالم في عيش حياته مع أخيه بروح جديدة، مليئة بالمحبة.
لكن الغريب في الأمر، هو أن سالم لاحظ شيئًا غريبًا: كلما مرت الأيام، بدأت ذكرياته تتلاشى ببطء. بدأ ينسى أنه طلب الأمنية، ثم نسي حياته السابقة بأكملها.
بعد خمسين عامًا، وفي نفس صباح الشتاء، كان سالم جالسًا في كوخه، لكن هذه المرة لم يكن عجوزًا وحيدًا. كان يعيش مع أسرته الكبيرة، محاطًا بأحفاده الذين أحبوه بشدة.
لم يتذكر سالم أبدًا الأمنية أو الخطأ الذي ارتكبه في حياته السابقة. لكن تلك المرأة الغامضة وقفت في ظل الكوخ، تراقبه من بعيد. همست لنفسها: "الأمنية تحققت، والثمن كان النسيان. لكن يبدو أن السعادة، في بعض الأحيان، تستحق كل شيء."
.

🔴 العلاقة بين احترام الحريات الشخصية وتطور المجتمع وإزدهاره (مقال)

.
العلاقة بين احترام الحريات الشخصية وتطور المجتمع وإزدهاره



العلاقة بين احترام الحريات الشخصية وتطور المجتمع وإزدهاره علاقة متجذرة ووثيقة، حيث أثبتت التجارب التاريخية والواقعية أن المجتمعات التي تقدر حرية الأفراد تحقق معدلات أعلى من التطور والابتكار.
فاحترام الحريات الشخصية يفتح المجال أمام العقول للتفكير الحر والتعبير عن أفكارها دون خوف من القمع. على سبيل المثال، شهد عصر النهضة في أوروبا طفرة في الفن والعلوم بعد تراجع السلطة الدينية القمعية وإفساح المجال للحريات الفكرية. ليوناردو دافنشي وغاليليو غاليلي هما مثالان بارزان استفادا من أجواء الحرية النسبية آنذاك لإنتاج إبداعات غيّرت مسار التاريخ.
ثم أن المجتمعات التي تحترم الحريات الشخصية توفر بيئة مشجعة للبحث العلمي والابتكار. في القرن العشرين، مثّلت الولايات المتحدة مثالاً عمليًا، حيث أدى احتضان العلماء اللاجئين من أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية إلى تحقيق قفزات علمية هائلة، منها تطوير الحواسيب وأبحاث الفضاء. في المقابل، فإن الأنظمة التي قمعت الحريات، كالاتحاد السوفياتي، عانت من تراجع في الابتكار رغم بعض النجاحات المؤقتة. ولا مجال للحديث هنا عن العالم "العربي الإسلامي" الذي لم نر له أي مساهمة في تطوير أي شيء منذ قرون بسبب عقلية كراهية الٱخر والتحريم والتهديد المسلط على كل من يخرج عن القطيع (سواء كان ذلك سياسيا أو دينيا أو حتى فكريا).
علاوة على ذلك، احترام الحريات الشخصية يجعل الأفراد أكثر اندماجًا في قضايا مجتمعاتهم. وتجربة حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة في الستينيات تثبت أن تعزيز حرية التعبير والمشاركة السياسية يساهم في تحسين العدالة الاجتماعية والتطور المجتمعي. بفضل هذه الحركة، أُزيلت قوانين الفصل العنصري، مما ساعد في بناء مجتمع أكثر تماسكًا.
من ناحية أخرى، من الملاحظ أن المجتمعات التي تحترم التنوع الفكري والثقافي تحقق مستويات أعلى من التماسك والتنمية. مثال على ذلك تجربة دولة جنوب إفريقيا بعد انتهاء نظام الفصل العنصري، حيث اعتمدت البلاد على مبادئ المساواة واحترام الحريات لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
فالاستقرار الناتج عن احترام الحريات هو أساس التطور الاقتصادي والعلمي. في القرن الحادي والعشرين، أصبحت دول مثل فنلندا والسويد نموذجًا عالميًا، حيث تجمع بين حرية التعبير والبحث العلمي المتقدم لتحقيق رفاهية مجتمعية عالية.

من خلال التاريخ والواقع، يتضح أن احترام الحريات الشخصية هو المحرك الأساسي لتطور المجتمعات وازدهارها علميًا وثقافيًا. فالمجتمعات التي تمنح الحرية لعقول أفرادها تحصد ثمار الإبداع والابتكار، بينما تلك التي تقمع الحريات تبقى عالقة في دوائر الركود والتراجع.

🟡 الهروب من الزمن (قصة قصيرة)

.

الهروب من الزمن

.

في صباح يوم مشمس، استيقظ يوسف على صوت المنبّه. كان كل شيء يبدو مألوفًا بشكل غريب: شروق الشمس الذي يتسلل من الستائر، رائحة القهوة التي أعدتها جارتُه العجوز، وصوت سيارة الأجرة التي توقفت أمام المبنى. جلس على السرير متثاقلاً، ثم مد يده إلى هاتفه ليجد التاريخ واضحًا: 15 يناير.

تجاهل الشعور الغريب الذي راوده، نهض وبدأ يومه كالمعتاد. ذهب إلى عمله، تحدث مع زملائه، وعاد إلى منزله متعبًا، لا يدري أن يومه هذا سيعيد نفسه.

---

استيقظ يوسف في اليوم التالي على صوت المنبّه ذاته. لكنه عندما نظر إلى هاتفه، انقبض قلبه: 15 يناير، مرة أخرى. شعر بالارتباك، لكنه أقنع نفسه بأنها ربما مشكلة في هاتفه. أكمل يومه بنفس التفاصيل الدقيقة. وعندما استلقى للنوم تلك الليلة، تعهد أن يراجع طبيبًا إذا استمر الأمر.

---

لكن 15 يناير تكرر للمرة الثالثة. الآن لم يعد هناك مجال للإنكار. يوسف يعيش اليوم نفسه مرارًا وتكرارًا. جرب كل شيء لتغيير مجرى الأحداث: سلك طرقًا جديدة، تجاهل الذهاب للعمل، وحتى أمضى يومًا كاملًا في القراءة، لكن النتيجة واحدة: يعود للاستيقاظ في السرير ذاته على صوت المنبّه، ليواجه اليوم ذاته.

بعد أيام من اليأس، قرر يوسف أن يراقب ما يحدث حوله بتمعن. كان في المقهى حين لاحظ فتاة شابة تُدعى سارة تجلس وحدها على الطاولة المقابلة. في كل يوم متكرر، كانت تأتي في نفس الوقت وتترك حقيبتها مفتوحة قليلًا. لم يكن قد أولى الأمر أهمية في البداية، لكنه لاحظ لاحقًا أن رجلًا مجهولًا كان يقترب منها دائمًا ويختفي بسرعة.

---

في يومه المتكرر التالي، قرر أن يراقب عن كثب. وجد أن الرجل المجهول يستغل غفلة سارة ليسرق محفظتها. شعر بشيء داخله يتحرك، شعور بأن إنقاذها قد يكون المفتاح لكسر هذه الحلقة الزمنية.

---

في صباح اليوم التالي، قرر التدخل. ذهب إلى المقهى في نفس الوقت، وجلس على مقربة منها. عندما اقترب الرجل لسرقتها، أمسك يوسف بيده بقوة وأوقفه. اندهشت سارة، وشكرته بحرارة، بينما فر الرجل المجهول.

---

لكن الزمن لم يتغير. استيقظ يوسف في اليوم ذاته من جديد. أصابه الإحباط، لكنه قرر أن يسألها عن حياتها. في الأيام التالية، تقرب منها تدريجيًا، وتعرف على قصتها. كانت تعيش في عزلة بسبب حادث مأساوي فقدت فيه أحد أفراد أسرتها.

---

بالتدريج، أدرك يوسف أن إنقاذ سارة لا يقتصر على محفظتها، بل على حياتها بأكملها. قرر مساعدتها على الخروج من عزلتها، فشجعها على استعادة شغفها بالرسم، ودعمها في إقامة معرض فني. استغرق الأمر عشرات الأيام المتكررة، لكنه أخيرًا شعر بالرضا عندما رأى الابتسامة تعود إلى وجهها.

---

وفي يوم جديد، استيقظ يوسف على صوت المنبّه. لكنه عندما نظر إلى هاتفه، وجد التاريخ قد تغير: 16 يناير. تنهّد بارتياح، وأدرك أن كسر حلقة الزمن لم يكن يتعلق بهروب شخصي، بل بمنح الأمل لشخص آخر.

.

🔴 عن النشوة الجنسية

عن النشوة الجنسية . .  النشوة الجنسية، ذروة الإثارة الجنسية، هي تجربة معقدة ومتعددة الأوجه تختلف اختلافًا كبيرًا بين الأفراد. وهي تنطوي على ...