أمواج الوداع
.
.
جلس "سامر" على الشاطئ، يُحدّق في الأفق حيث تلتقي السماء بالبحر في امتداد لا نهائي. كانت الشمس تميل إلى الغروب، تصبغ المياه بدرجات من البرتقالي والأحمر، وكأنها تشارك في وداعه الصامت. تنفّس بعمق، فامتلأت رئتاه بهواء البحر المشبع برائحة الملح والرطوبة.
كان الشاطئ شبه خالٍ، باستثناء بضعة عائلات بعيدة وأصوات الأطفال التي تصل إليه خافتة، كأنها تأتي من عالم آخر لا ينتمي إليه. جلب معه كيسًا ورقيًا بداخله كتاب قديم، زجاجة ماء، وحفنة من الحصى الصغيرة التي كان يقلبها في يده بلا وعي. جلس على صخرة قريبة من الماء، حيث تتسلل الأمواج بين أصابعه العارية، تبلّلها برفق ثم تنحسر كما لو كانت تتردد بين الأخذ والعطاء.
أخرج من جيبه ورقة مطوية بعناية، كانت رسالة كتبها قبل يومين. قرأها بصوت خافت، يتحسس حروفها بأصابعه المرتعشة:
"إلى من يهمه أمري...
لا أدري متى بدأت هذه الفجوة تكبر في داخلي، لكنني اليوم أشعر بأنها قد ابتلعتني بالكامل. لم أعد أرى سببًا للبقاء، ولم أعد أشعر أن لي مكانًا في هذا العالم. أعتذر لكل من حاول، ولكل من أحبني... لكنني تعبت."
أغلق عينيه للحظة، ثم طوى الورقة وأعادها إلى جيبه. كان قرار إنهاء حياته يبدو واضحًا عندما غادر منزله ذلك الصباح، لكن الآن، وهو جالس هنا وسط صوت الموج وملمس الرمال الباردة، بدأ الشك يتسلل إليه.
كانت هناك طيور نورس تحلق فوقه، تصرخ بنداءاتها الخشنة، كأنها تحذّره من شيء. راقبها وهي تغوص في المياه ثم تصعد من جديد، ترفرف بأجنحتها المبللة. تساءل كيف سيكون شعوره لو ألقى بنفسه بين تلك الأمواج، لو ترك المياه تبتلعه بهدوء... هل سيكون الأمر سريعًا أم مؤلمًا؟ هل سيشعر بالخفة أخيرًا؟
تأمل البحر بعينين مثقلتين، لاحظ كيف تتغير الأمواج باستمرار، لا تبقى على حالها أبدًا. ربما كان البحر يشبه الحياة أكثر مما يظن—متغيرًا، متقلبًا، لا يستقر أبدًا.
بينما كان غارقًا في أفكاره، اقترب منه رجل مسنّ، يمشي ببطء مستندًا إلى عصاه. وقف بجواره، ناظرًا إلى البحر بنفس العمق الذي كان يحدق به سامر. لم يقل شيئًا في البداية، ثم أطلق ضحكة هادئة وقال:
— "البحر عجيب، أليس كذلك؟ يأخذ منا لكنه يعيد إلينا أيضًا. ذات يوم، كنت أظن أنني فقدت كل شيء، وجئت إلى هنا مثلك تمامًا."
نظر سامر إلى الرجل بدهشة، كأنه سمع صدى أفكاره بصوت شخص آخر. تردد قبل أن يسأل بصوت خافت:
— "وماذا حدث بعد ذلك؟"
ابتسم الرجل، عاقدًا يديه خلف ظهره، وقال:
— "انتظرت. لم أفعل شيئًا سوى أنني انتظرت. كان البحر يهمس لي بأسراره، والموج يلامس قدمي، ومع كل موجة جديدة، شعرت أن الحياة ما زالت تمنحني فرصة أخرى."
توقف للحظة ثم تابع:
— "وفي يوم من الأيام، أدركت أنني لا أريد الرحيل بعد. وجدت أن هناك دائمًا سببًا للبقاء، حتى لو لم أره في البداية."
ساد صمت بينهما. كانت الأمواج مستمرة في مداعبة الرمال، والرياح تهبّ برفق، كأنها تحمل معه الكلمات الثقيلة التي ملأت قلب سامر.
أخذ نفسًا عميقًا، نظر إلى الأفق مرة أخرى، ثم أخرج الورقة من جيبه. نظر إليها لثوانٍ قبل أن يمزقها ببطء، فتطايرت قطعها الصغيرة مع الريح، تندمج مع رمال الشاطئ كأنها لم تكن.
للمرة الأولى منذ فترة طويلة، شعر أن صدره أصبح أخف.