.
ثقوب الذاكرة
.
في ليلة هادئة تعج بأضواء المدينة وضجيج السيارات، وقف رجل في منتصف الرصيف، يتأمل وجهه المنعكس على واجهة متجر بلورية. شعر بالغربة تجاه هذا الوجه الذي كان يفترض أن يكون مألوفًا، لكنه بدا له وكأنه لشخص آخر. كانت عيناه حائرتين، ويداه ترتعشان وهو يلمس خدّه وكأنه يحاول أن يستعيد شيئًا مفقودًا.
لم يتذكر اسمه، ولا أين يسكن، ولا حتى كيف وصل إلى هذا المكان. كل ما يتذكره هو صوت اصطدام قوي، أضواء متوهجة، ثم ظلام دامس. الآن، هو تائه بين حشود المارة الذين يمرون بجانبه دون أن يلاحظوا ارتباكه.
اقترب منه شاب يعمل في المتجر، لاحظ وقفته الطويلة أمام الزجاج وسأله: "هل تحتاج إلى مساعدة يا سيدي؟"
نظر الرجل إلى الشاب بنظرة فارغة، ثم قال بصوت خافت: "لا أعرف... لا أعرف حتى من أنا."
تفاجأ الشاب، لكنه لم يظهر ذلك وقال بحذر: "لماذا لا تدخل إلى المتجر وتجلس قليلاً؟ يبدو أنك مرهق."
جلس الرجل داخل المتجر، وقدم له الشاب كوبًا من الماء. وبينما كان يرتشف الماء ببطء، سحب بطاقة هوية صغيرة من جيب معطفه ونظر إليها بحذر، لكنه لم يشعر بأي صلة بينه وبين هذا الاسم أو هذه الصورة. الاسم كان "سامر"، لكن ذلك لم يحرك أي ذكريات في ذهنه.
اقترح الشاب عليه الاتصال بالشرطة، لكن الرجل كان خائفًا من المجهول، خائفًا من أن يكتشف شيئًا لا يريد معرفته. خرج من المتجر وعاد إلى الشوارع، يمشي بلا وجهة. كل خطوة كانت تحمل معه شعورًا بالخوف والوحدة، لكنه كان يملك أملًا صغيرًا في داخله: أن يجد نفسه، أو أن يجد من يعرفه.
في زاوية شارع مزدحم، لمح امرأة تقف بجانب عربة طعام. كانت تنظر إليه بدهشة، ثم تقدمت نحوه وقالت بصوت متردد: "سامر؟ هل هذا أنت؟"
توقف الرجل ونظر إليها بصمت. كانت في عينيها نظرة مزيج من الحزن والفرح. لكنه لم يتذكرها. قال بصوت يائس: "أنا آسف... لا أعرف من أنت."
ابتسمت المرأة بحزن وأجابت:
"أنا ليلى... أختك. كنت أبحث عنك منذ أيام بعد الحادث."
كان صوتها يحمل صدقًا عميقًا، لكنه لم يكن قادرًا على استرجاع أي ذكرى. ومع ذلك، كان هناك شعور غريب بالراحة في وجودها. ربما كانت هذه بداية طريقه لاستعادة حياته المفقودة ورتق ثقوب ذاكرته، أو ربما بداية حياة جديدة تمامًا.
.