‏إظهار الرسائل ذات التسميات التكنولوجيا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التكنولوجيا. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 24 يناير 2025

🔴 الذكاء الإصطناعي: الواقع، الٱفاق والمستقبل (مقال)

 الذكاء الإصطناعي: الواقع، الٱفاق والمستقبل


.
شهد العالم في العقود الأخيرة ثورة تكنولوجية هائلة، وكان الذكاء الإصطناعي (AI) من أبرز هذه التطورات. ويمثل الذكاء الاصطناعي تقنيات متقدمة تحاكي القدرات البشرية، مثل التفكير، التعلم، وإتخاذ القرارات، مما يجعلها قادرة على التأثير بشكل جذري في جميع مجالات الحياة.
برز الذكاء الاصطناعي كفرع جديد من علوم الحاسوب، وهو يهدف إلى تطوير أنظمة وبرامج قادرة على تنفيذ مهام تتطلب ذكاءً بشريًا. يتضمن ذلك التعلم الآلي (Machine Learning)، التعلم العميق (Deep Learning)، ومعالجة اللغة الطبيعية (NLP)، وغيرها من المجالات الفرعية.
وقد إنتشر إستعمال الذكاء الاصطناعي في كافة المجالات تقريبا. ويُعتبر مجال الرعاية الصحية من أكبر المستفيدين من الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال، تمكنت أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل "IBM Watson Health" من تحليل كميات ضخمة من البيانات الطبية لتقديم توصيات دقيقة بشأن التشخيص والعلاج. وفي عام 2020، ساعد الذكاء الاصطناعي في تسريع تطوير لقاحات COVID-19، حيث قامت خوارزميات التعلم الآلي بتحليل البنية الجينية للفيروس لاكتشاف التكوينات المثلى للقاحات.
ويُحدث الذكاء الاصطناعي منذ سنوات ثورات متواصلة في قطاع التعليم عبر تقديم حلول تعليمية مخصّصة لكل طالب. توفّر منصات مثل "Khan Academy" أنظمة تعتمد على التعلم الآلي لتحليل أداء الطلاب واقتراح خطط تعليمية تتماشى مع مستواهم وإحتياجاتهم. وفي المستقبل، يمكن أن يحلّ الروبوت محلّ المدرسين في تقديم دروس متقدمة أو المساعدة في تصحيح الإمتحانات بدقة وسرعة ونجاعة أكثر.
كما تعتمد المصانع الذكية بشكل كبير على تقنيات الذكاء الاصطناعي لزيادة الكفاءة وتحسين الجودة. على سبيل المثال، تستفيد شركات مثل "Tesla" من الروبوتات الذكية في خطوط الإنتاج لتصنيع السيارات الكهربائية. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يعتمد أكثر من 70% من المصانع العالمية على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الإنتاجية وخفض التكاليف.
اما في مجال الزراعة، فيُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات التربة، التنبؤ بالطقس، ورصد صحة المحاصيل. وكمثال، نجد أن شركة "John Deere" الأمريكية تستخدم طائرات بدون طيار تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد الحقول والكشف عن الآفات الزراعية مبكرًا.
ويشهد قطاع النقل هو أيضا تحولات كبيرة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتُعد السيارات ذاتية القيادة، مثل تلك التي تطورها شركتا "Waymo" و"Tesla"، من أبرز الابتكارات. ومن المتوقع أنه بحلول عام 2040، ستكون السيارات ذاتية القيادة مسؤولة عن أكثر من 50% من حركة النقل في المدن الكبرى.
أما في مجال التجارة الإلكترونية، فتعتمد منصات مثل "Amazon" و"Alibaba" على الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستهلكين وتقديم توصيات شراء مخصصة. كما تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين تجارب العملاء، سواء من خلال روبوتات المحادثة أو أنظمة خدمة العملاء.
من ناحية أخرى، ومع زيادة التهديدات السيبرانية، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة أساسية للكشف عن الاختراقات وحماية الأنظمة. وتقوم شركات مثل "Darktrace" بتطوير خوارزميات قادرة على اكتشاف الهجمات في الوقت الفعلي والتعامل معها قبل أن تسبب أضرارًا كبيرة. ولعل المضحك في الأمر أن الكثير من الهجمات الإلكترونية اليوم تتم بإستعمال الذكاء الإصطناعي في كشف الثغرات وصنع فيروسات بإمكانها تجاوز خطوط الحماية الموضوعة في النظام المستهدف.
وهذا يقودنا للتفكير في التحديات المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي. فرغم فوائده الكثيرة، يثير هذا الذكاء تحديات كبيرة لعل أهمها ما يتعلّق بالأخلاقيات؛ فقد يؤدي الاستخدام الخاطئ للذكاء الاصطناعي إلى انتهاكات للخصوصية أو تمييز غير عادل. كما أنه مع ازدياد الاعتماد على الأتمتة، قد يخسر ملايين الأشخاص وظائفهم التقليدية، مما يؤدي إلى تفاقم البطالة مع ما يتبعها من مشاكل. ثم أن تقنيات الذكاء الإصطناعي قد تُستخدم في تطوير أسلحة ذاتية التحكم أو في هجمات سيبرانية معقدة ومتطورة أو متفاعلة فوريّا مع الإجراءات المتخذة من طرف النظام المستهدَف.
ويتوقع الخبراء أن يشهد الذكاء الاصطناعي تطورات هائلة في العقود القادمة. بحلول عام 2050، قد تصبح الأنظمة الذكية قادرة على التفاعل مع البشر بطريقة تفوق قدراتنا الحالية. على سبيل المثال: في مجال الطب، قد نرى روبوتات جراحية قادرة على إجراء عمليات معقدة دون تدخل بشري. وفي التعليم، قد يتم تطوير معلمين افتراضيين يتفاعلون مع الطلاب بشكل فردي. وفي مجال المناخ، قد تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي في وضع حلول مبتكرة لمواجهة تغير المناخ وتحقيق إستدامة بيئية.
إذن، لا شكّ في أن الذكاء الاصطناعي يمثل مستقبلًا واعدًا، ولكن نجاحه يعتمد على كيفية توظيفه بشكل مسؤول لتحقيق التقدم البشري. لذلك، من الضروري أن يتكاتف العلماء وتتعاون الأنظمة لصياغة سياسات وأطر أخلاقية تضمن إستفادة الجميع من هذه الثورة التكنولوجية بشكل عادل ومستدام.
.

الأربعاء، 22 يناير 2025

🔴 غزّة: على نفسها وأهلها جنت براقش (مقال)

غزّة: على نفسها وأهلها جنت براقش
 17-08-2024



منطقيّا، حين تُقدم على فعل ما، يجب أن تكون قد فكّرت مسبقا في نتائجه وعواقبه على المدى القصير والمتوسط، مثلما فكرت في طريقة فعله والأدوات المستخدمة ووقت البداية، إلخ. بل يجب ان تكون قد وضعت في الحسبان تقييما للأرباح المراد تحقيقها وللخسائر المتوقّعة وهل كفّة الارباح هي الأثقل أم كفّة الخسائر.
.
يوم السابع من أكتوبر 2023، غمر الفرح أرجاء العالم العربي والإسلامي وخرج العرب والمسلمون مهلّلين فرحين مبتهجين بما فعلته حماس وشامتين في الإسرائيليين وفي كل اليهود. ذكّرني هذا بتهليل المسلمين وفرحهم حين تم ضرب برجي التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية وشماتتهم في من ماتوا وإبراز كمّ هائل من الكراهية تجاه أمريكا التي تعلّموا من خلال الدمغجة العربية والإسلامية أنها "الشيطان الأكبر". ماذا حدث بعد ذلك؟ تمّ نكاح الأفغان والعراقيين. وبما أن الشيء بالشيء يذكر، وبما ان تاريخ العرب والمسلمين كرجل يقف مكانه منذ ألف واربعمائة عام، وكلّ يوم يعيد نفس الأخطاء التي إرتكبها بالأمس، دون أن يتعلّم من أخطائه أو حتّى يفكّر في تداعيات الفعل قبل أن يقوم به، بما أن الشيء بالشيء يذكر، كان رأيي أنّ المصائب التي ستصيب الفلسطينيين من جرّاء هذه المجزرة لن يستطيع أحد إيقافها وأنّها ستكون فاتحة لمجازر لن يسلم منها لا الاخضر ولا اليابس. وهذا بالضبط كان ردّي على أحد الزملاء المهللين لحماس والفرحين بهذا "الإنتصار" الوهمي. قلت له: "الايّام بيننا. وستبكون دمٔا".
.
وهذا ما حدث. مغامرة إرهابيّي حماس غير محسوبة العواقب أدّت إلى هلاك أكثر من أربعين ألف قتيل من بين الفلسطينيّين. والعدّاد سيواصل العمل وقد تصل الحصيلة في النّهاية إلى أرقام لا يستطيع أحد التّفكير فيها. لأن من قاموا بمجزرة السابع من أكتوبر ومن طبّلوا لهم كانوا بلهاء لدرجة انّهم لم يفكّروا حتّى في أنّ إسرائيل ستردّ الصّاع صاعين إنتقاما لشعبها وحماية له من الإرهاب الإسلامي. وهذا ما يحدث منطقيّا في كلّ مكان.
.
وحتّى في الدّول العربية والإسلامية التي تنهق شعوبها يوميا على فيسبوك وتويتر وفي الشوارع وتتباكى على غزة في ممارسة حمقاء لنوع جديد من الجهاد قد ينزل جبريل بسورة بخصوصه يوما ما: "الجهاد الإلكتروني" أو لنقل "نضال اللّايك والشّير" تماشيا ايضا مع المصطلحات اليسارية الفاشلة. القوات المصريّة قامت بفضّ إعتصام رابعة الإرهابي لأنه كان يمثّل تهديدا للدولة والشعب وكان هذا الشعب يدعمها في جهودها ومساندا لها. كما كان مساندا لها في جهودها لتنظيف سيناء من الإرهابيين. لكن، وياللعجب، نفس هذا الشعب المصري الذي إنحاز للدولة وجيشها في مواجهة الإرهاب، إنخرط في دعم إرهابيي حماس. والسبب وراء هذا الدعم المتارجح ليس كراهيته للإرهاب بصفة عامة (فالإرهاب أمر قرٱني)، بل كراهيته المتوارثة منذ اربعة عشر قرنا لليهود. وكما انّ حكم المسلم على الكوارث خاضع للنفاق الديني المزروع في لاوعيه منذ نعومة أظافره (فعلى سبيل المثال: الكارثة التي تصيب المسلم يسمونها "إبتلاء" والكارثة التي تصيب غير المسلم يسمونها "عقابا")، فمشاعره وأفكاره بخصوص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني محكوم بنفس النفاق الديني. في حين ان أبسط قواعد التفكير المنطقي لو طبّقها أغبى مواطن مصري لأدّت به إلى مساندة إسرائيل ضدّ الإرهاب الإسلامي. نفس الشيء حدث في الجزاىر وفي تونس وفي العراق وسوريا واغلب الدول المسماة عربية إسلامية. أناس يعانون من الإرهاب ويدعمونه في نفس الوقت.
.
خلاصة الحديث، لكي لا نطيل كثيرا، تتمثّل في فكرة الغباء أو لنقل اللاوعي العربي والإسلامي. كانّك تتعامل مع أناس تم نزع أدمغتهم. أناس تحكمهم عواطفهم ويفعلون اشياء لا يقدّرون حتى حجمها وحجم تبعاتها ونتائجها.
.
 وشخصيا، رغم معارضتي لأي عملية قت مهما كانت أسبابها ودوافعها ومهما كانت هوية الجاني وهوية المجني عليه، إلا أنّي لا اشعر بأي تعاطف مع الفلسطينيين بصفة عامة (وقد نتحدث في وقت لاحق عن تاريخ هذا الشعب الإرهابي بإمتياز) ولا مع أهل غزة بصفة خاصة. فهم من ربّوا بين أحضانهم حركة حماس الإرهابية وهم وحدهم المسؤولون عن كل ما يحدث لهم اليوم. وكما يقول المثل: على نفسها وأهلها جنت براقش. وبراقش هي المسؤولة عن إيجاد حلّ للمشكلة التي تسببت فيها، دون بكائيّات ودون إستنجاد ببقية شعوب العالم. ففي النهاية، لا أحد يهتم. وحتى قادة حركة حماس الإرهابية مشغولون بجمع الأموال من كلّ حدب وصوب وتكديس الثروات وبعث الإستثمارات لتأمين مستقبل أبنائهم خارج غزة ولا وقت لديهم للتفكير في مصير أهل غزة، فهم في النهاية وسيلة للضغط على العالم وإبتزازه عاطفيا لكي يُمطرهم بالأموال.
.
وللحديث بقية.
.

الأحد، 19 يناير 2025

🔴 الحروب كدافع أساسي للتطور التكنولوجي والعلمي (مقال)

.

الحروب كدافع أساسي للتطور التكنولوجي والعلمي


.

على الرغم من الآثار السلبية والمدمرة للحروب على البشرية، فإنها كانت في الكثير من الأحيان عاملًا محفزًا للتطور التكنولوجي والعلمي. ففي خضم الصراعات، تسعى الدول إلى تحقيق التفوق العسكري والتكنولوجي لضمان البقاء والنصر، مما يدفعها إلى توظيف مواردها البشرية والمادية بأقصى طاقاتها لإيجاد حلول مبتكرة. ورغم أن هذه الابتكارات قد تكون موجهة في البداية للأغراض العسكرية، فإن تأثيراتها تمتد لاحقًا إلى العديد من المجالات المدنية.
فخلال الحرب العالمية الأولى، ظهرت تقنيات جديدة غيرت وجه الصراع وأسهمت لاحقًا في التطور المدني. تم تطوير الطائرات للاستخدام العسكري، لكنها سرعان ما أصبحت وسيلة نقل رئيسية في الحياة اليومية. كما ساهمت هذه الحرب في تقدم الطب، مثل تحسين تقنيات الجراحة الميدانية وعلاج الإصابات الناتجة عن القذائف.
أما الحرب العالمية الثانية فتُعدّ من أبرز الأمثلة على تأثير الحروب في دفع عجلة التطور العلمي. فقد كان سباق التسلح النووي والتقدم في مجال الطيران من أبرز نتائجها. مشروع مانهاتن، الذي قاد إلى اختراع القنبلة الذرية وأسهم في تطوير الطاقة النووية التي تستخدم اليوم في توليد الكهرباء وفي مجالات طبية متعددة.
كذلك، أدى تطوير الرادار إلى تحسين وسائل الاتصال والملاحة الجوية والبحرية، وهي تقنيات أصبحت أساسية في حياتنا الحديثة. كما دفعت هذه الحرب إلى التقدم في مجال الحوسبة، حيث ظهرت أولى الحواسيب الإلكترونية المستخدمة لفك الشيفرات.
وفي فترة الحرب الباردة، شكل سباق التسلح وسباق الفضاء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي دفعة هائلة للعلم والتكنولوجيا. إطلاق القمر الصناعي "سبوتنيك" ووصول الإنسان إلى القمر كانت خطوات تاريخية وضعت الأساس لتكنولوجيا الاتصالات والأقمار الصناعية التي نعتمد عليها اليوم في الكثير من المجالات.
ومن الجدير بالملاحظة ان معظم التقنيات التي طُورت في زمن الحروب لم تبق حكرًا على الأغراض العسكرية، بل تم تكييفها لخدمة المجتمعات المدنية. فالإنترنت بدأت كشبكة اتصالات عسكرية (ARPANET) ووضعت الأساس لظهور شبكة الإنترنت العالمية. وأنظمة تحديد المواقع GPS طوّرت للأغراض العسكرية وأصبحت الآن جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية. كما ساعدت الحروب في تطوير علاجات للأمراض، تقنيات زراعة الأعضاء، واستخدام المضادات الحيوية على نطاق واسع.
لكن رغم الفوائد العلمية والتكنولوجية التي جلبتها الحروب، يجب ألا نغفل عن التكاليف البشرية والمعاناة التي خلفتها. إذ إن الحروب ليست وسيلة مثالية لدفع عجلة التقدم، ويجب أن تُستبدل ببيئات سلمية تدعم الابتكار من خلال التعاون والتبادل العلمي.
وخلاصة القول أنّ الحروب، رغم قسوتها، أظهرت قدرة البشر على الإبداع في مواجهة التحديات. ومع ذلك، فإن الدروس التي تعلمناها منها يجب أن توجهنا نحو بناء عالم يعزز الابتكار والتقدم في بيئة من السلام والتعاون الدولي، بعيدًا عن الصراعات التي لا تؤدي إلا إلى إهدار الموارد وتعميق المعاناة.

.


الجمعة، 17 يناير 2025

🔴 رحلة تطور العقل البشري: من الأسطورة إلى العلم (مقال)

.

رحلة تطور العقل البشري: من الأسطورة إلى العلم


.

يمثل تطور العقل البشري من حالة الاعتماد على الخرافات والأساطير إلى حالة التوجه نحو التفكير العلمي والمنطقي واحدة من أهم التحولات في تاريخ الحضارة الإنسانية. هذه الرحلة الطويلة والمعقدة شكلت هويتنا كبشر، وأدت إلى التقدم الهائل الذي نشهده في عالم اليوم.

يمثل العقل الخرافي الأسطوري جذور التفكير البشري. ففي بدايات تاريخ وجود الإنسان على الأرض، كان أسلافنا يعتمدون بشكل كبير على الخيال والتخيل لتفسير الظواهر الطبيعية والأحداث التي تحيط بهم. كانت الأساطير والحكايات الشعبية هي الأدوات التي استخدمها الإنسان لتفسير العالم، وشرح أصول الكون، وتبرير الأحداث التي تتجاوز فهمه. كانت هذه الأساطير تحمل في طياتها معتقدات وخرافات حول القوى الخارقة للطبيعة والأرواح والٱلهة. ومن هنا نشأت فكرة الدّين.

ولو بحثنا في مميزات العقل الخرافي الأسطوري سنجد انه يرتكز على أربع أعمدة. أولا، التفسير السحري للظواهر: فقد كان الإنسان يربط بين الأحداث الطبيعية وأفعال الكائنات الخارقة، مثل الآلهة والشياطين. ثانيا، التفكير السحري: وهو مبني على اعتقاد الإنسان بوجود قوى خفية يمكن التحكم فيها من خلال الطقوس والسحر. ثالثا، التفكير الثنائي: حيث يتم التعامل مع العالم حسب تقسيم ثنائي أو ذو قطبين متضادّين (الخير والشر، النور والظلام، والقوى الإيجابية والسلبية...). رابعا، التفكير الرمزي: وهو إستخدام الرموز والأمثال للتعبير عن الأفكار والمعتقدات.

وقد بدأ التحول نحو العقل العلمي بشكل تدريجي، وكان ذلك نتيجة لتفاعل مجموعة من العوامل، لعل اهمّها التطور الاقتصادي (فالحاجة إلى حل المشكلات الاقتصادية، مثل الزراعة والصناعة، هي التي دفعت الإنسان إلى البحث عن تفسيرات منطقية للظواهر الطبيعية) والتطور السياسي (حيث ساهمت الصراعات السياسية والحروب في تطوير العلوم العسكرية والتكنولوجيا، مما أدى إلى تقدم معرفي). وقد ساهم الصراع بين العقلانية والتفكير الديني في التحول التدريجي إلى التفكير العلمي وترجيح كفّته على حساب التفكير الخرافي والأسطوري (مواجهة المنظومات الدينية المتحجّرة بطبيعتها للتفكير العقلاني والعلمي أدّت إلى صراعات وحوارات أثرت على مسار التطور الفكري). كما كان لظهور الفلسفة كمنهج في التفكير وطريقة عقلانية في مساءلة العالم والبحث عن أجوبة للوجود مساهمة كبرى في هذا التحول، فقد ساهمت الفلسفة في تشكيل الأسس المنطقية للتفكير العلمي، وطرحت أسئلة حول طبيعة المعرفة والعالم بعيدا عن الأجوبة الموروثة.

وقد واجهت هذا التحول التحديات كثيرة منها المقاومة الدينية (فقد واجه العلماء مقاومة شديدة من قبل المؤسسات الدينية التي اعتبرت أفكارهم تهديداً لسلطتها ولمصالحها في إخضاع الناس وإستعبادهم والإسترزاق منهم) كما كانت التقاليد والعادات السائدة، (أو لنقل الموروث بصفة عامة) عائقاً كبيرا أمام قبول الأفكار الجديدة. وكان الجهل والخوف من المجهول أيضا يمنعان الكثير من الناس من قبول التفسيرات العلمية.

ويتّسم العقل العلمي بمجموعة من الخصائص المميزة لعل اهمّها الطريقة العلمية المتمثلة في الاعتماد على الملاحظة والتجربة وإعادة التجربة والتحليل المنطقي للوصول إلى نتائج موثوقة، الشيء الذي يستحيل فعله مع مسلّمات التفكير الخرافي والأسطوري والذي أنتج الأديان بكلّ أساطيرها وحكاياتها غير القابلة للتحقق من صحتها. ومن سمات العقل العلمي أيضا الشك والبحث المستمر وعدم القبول بالأفكار المسبقة والمسلمات، والبحث الدائم عن أدلة جديدة. كما يتّسم التفكير العلمي بإعتماده على التجريد والنمذجة، أي بناء نماذج ونظريات لتفسير الظواهر الطبيعية. ومن أسسه أيضا التحقق المستمر وهي الطريقة المثلى للتأكد من صحة النظريات العلمية من خلال تكرار التجارب والاختبارات في اوقات وظروف وأماكن مختلفة. كما يعتمد التفكير العلمي على المنطق والعقلانية في التفكير واتخاذ القرارات، الشيء الذي يجعل نتائجه لصيقة بالعالم والواقع.

وقد ساهم العقل العلمي في تحقيق تقدم هائل في مختلف المجالات، مثل الطب والتكنولوجيا والصناعة. كما أنه شكل الأساس للحضارة الحديثة، وأدى إلى تحسين نوعية الحياة للإنسان. كما مكّن الإنسان من الحصول على معرفة دقيقة عن العالم وفهم الكون والحياة من حولنا بشكل أفضل. إضافة إلى ذلك، تمكّن الإنسان بفضل التفكير العلمي من حل المشكلات التي تواجهه بأكثر نجاعة، فالعقل العلمي يوفر الأدوات اللازمة لحل المشكلات المعقدة التي تواجه البشرية. الشيء الذي أدّى إلى التطور التكنولوجي الذي نراه ونعيشه اليوم والذي كان محرّكه الرئيسي العقل العلمي وليس الخرافات والأساطير، وكذلك الأمر بالنسبة لتحسين صحة الإنسان من خلال تطوير الطب والعلاجات الحديثة أو حماية البيئة وفهم التحديات المرتبطة بها واتخاذ قرارات مستنيرة لحماية كوكب الأرض.

لكن، على الرغم من التقدم الكبير الذي حققه العقل العلمي، إلا أنه لا يزال يواجه تحديات كبيرة في عصرنا الحالي، مثل انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة على نطاق واسع والتي تجد لها سوقا رائجة خاصة عندما يقلّ أو ينعدم مستوى التعليم وتنحدر الثقافة ويسيطر الدين بخرافاته وأساطيره على العقول.
التشكيك في العلم هو أيضا من أكبر التحديات التي يواجهها العقل العلمي، فهناك تزايد في التشكيك في العلم ونظرياته، مما يؤثر على اتخاذ القرارات السياسية والاجتماعية ويساهم في إغراق المجتمعات في الجهل والتخلف. كما أن التكنولوجيا مزدوجة الاستخدام يمكن إعتبارها خطرا يهدد التفكير العلمي، إذ يمكن استخدام التكنولوجيا لأغراض إيجابية وسلبية، مما يطرح تحديات أخلاقية وقانونية. ولعل إنتشار الأديان بسردياتها وخرافاتها وأساطيرها على الأنترنات اليوم أوضح دليل على إخضاع أحد أهم منتجات العقل العلمي وهو الأنترنات لإستغلالها  كأداة لنشر الجهل والتخلف والتفكير السحري والخرافي في المجتمعات. أي إستعمال العلم لنشر الجهل.

إذن، رحلة تطور العقل البشري من العقل الخرافي الأسطوري وصولا إلى العقل العلمي هي قصة طويلة ومعقدة، مليئة بالإنجازات والتحديات. لكن، على الرغم من التحديات التي نواجهها، إلا أن العقل العلمي يظل أهم أداة لدينا لفهم العالم من حولنا وحلّ المشكلات التي تواجهنا. لذلك يجب علينا الاستمرار في تشجيع التفكير النقدي والبحث العلمي، وتعزيز ثقافة العلم في مجتمعاتنا. لعلّ المستقبل يكون أفضل من الحاضر، الذي هو بالتأكيد أفضل بكثير من الماضي.

.

🔴 عن النشوة الجنسية

عن النشوة الجنسية . .  النشوة الجنسية، ذروة الإثارة الجنسية، هي تجربة معقدة ومتعددة الأوجه تختلف اختلافًا كبيرًا بين الأفراد. وهي تنطوي على ...