وهجٌ يتلاشى (قصة قصيرة)
.
.
كان لحسن وسارّة قصّة حبّ يحسدهما عليها الجميع. منذ
لقائهما الأوّل، شعر كل منهما أنّه وجد نصفه الآخر. كانت ضحكاتها كالموسيقى في
أذنيه، وكان صبره واهتمامه يُشعرانها بالأمان. كانا يسرقان اللّحظات من الزّمن
ليكونا معًا، يتحدّثان حتى الفجر عن الأحلام والمستقبل، يحلمان بمنزل دافئ وأطفال
يملؤون أرجاءه بالحياة.
لكنّ الحب، مهما كان عظيمًا، يحتاج إلى أكثر من المشاعر
ليبقى متّقدًا.
مع مرور السنوات، أشياء كثيرة
بدت وكأنّها تغيّرت. لم يكن الأمر واضحًا في البداية، مجرد لمحات صغيرة تمرّ دون
أن يلاحظها أحد.
أصبح حسن يعود إلى المنزل متعبًا، يجلس أمام التّلفاز
دون أن ينتبه إلى سارّة التي كانت تنتظره طوال اليوم لتخبره عن تفاصيلها الصّغيرة.
لم يعد يسألها كيف كان يومها، ولم يعد يلاحظ تسريحة شعرها الجديدة أو الفستان الذي
اختارته بعناية.
أما سارّة، فقد بدأت تشعر بأنّها مجرد جزء من الرّوتين
اليومي، كقطعة أثاث مألوفة لا تلفت الإنتباه. لم تعد تخبره بكلّ شيء كما كانت
تفعل، لأن كلماته أصبحت مقتضبة، واهتمامه أصبح مجاملة أكثر منه شغفًا.
في البداية، كانت تحاول لفت انتباهه، تسأله عن يومه،
تخبره عن مشاعرها، لكنه كان يجيب بإجابات قصيرة، وكأنّها عبء آخر على يومه الطويل.
ومع الوقت، بدأت هي الأخرى تصمت.
لم يعودا يتشاجران كثيرًا، لكنّه
لم يكن سلامًا حقيقيًّا، بل هدنة غير معلنة بين روحين غريبتين تحت سقف واحد.
في المساء، كانا يجلسان على مائدة العشاء، لكن الصّمت
كان سيّد اللّحظة. لم يعد هناك شيء يُقال. لم تعد هناك ضحكات عفويّة، أو نظرات
طويلة، أو حتى تلك الخلافات البسيطة التي كانت تنتهي باعتذار واحتضان.
في أحد الأيام، وبينما كانت سارّة ترتّب خزانتها، وجدت
صندوقًا قديمًا يحوي رسائل حسن القديمة. قرأت إحداها، فشعرت بوخزة في قلبها:
"لا أستطيع تخيّل يومي دونك. أنتِ نبضي، ودفئي في الأيّام
الباردة."
ضحكت بسخرية حزينة وهي تفكر: هل كنا فعلًا هكذا؟ متى
أصبحنا ما نحن عليه الآن؟
أمّا حسن، فقد كان يلاحظ المسافة بينهما، لكنّه لم يكن
يعرف كيف يعيد الأمور إلى سابق عهدها. كان يشعر أنه فقد مفتاح قلبها دون أن يدرك
متى أو كيف.
في إحدى اللّيالي، وبينما كانا
يشاهدان التلفاز، التفتت إليه سارّة وسألته فجأة:
"هل تحبّني، حسن؟"
نظر إليها مطولًا، ثمّ ابتسم ابتسامة باهتة وقال:
"بالطّبع أحبّك."
لكنّها لم تصدّقه، ليس لأنّه يكذب، بل لأنها شعرت أنّ
الحبّ لم يعد كما كان. لم يكن هناك شغف، لم يكن هناك اشتياق. كان حبًّا هادئًا،
أشبه بجمرة تحت الرّماد، لم تنطفئ تمامًا لكنّها لم تعد تشعّ بالدّفء.
لم يكن هناك خيانة، لم يكن هناك خذلان واضح، فقط برود
زحف إلى العلاقة ببطء، حتى أصبح كل شيء روتينيًّا ومُملًّا.
في النهاية، لم يكن هناك وداع درامي، ولا كلمات أخيرة
تُقال. فقط مساران انفصلا بصمت، تمامًا كما تلاشى وهجهما ببطء.
.