السبت، 8 فبراير 2025

🟡 العاصفة الهادئة (قصة قصيرة)

العاصفة الهادئة (قصة قصيرة)

.

 


.

كان سامر يحدق في شاشة هاتفه، يراقب عقارب الساعة وهي تزحف ببطء. الساعة تشير إلى العاشرة مساءً، ولم تعد ليلى بعد. أخذ نفسًا عميقًا ووقف عند النافذة، يحاول إقناع نفسه بأنها تأخرت بسبب زحام المدينة، لكنه كان يعلم أن الأمر أعمق من ذلك.

لم يكن الأمر مفاجئًا له، فقد كانت المسافة بينهما تتسع يومًا بعد يوم. كانت نقاشاتهما تتحول إلى شجارات، ولم يعد الحديث بينهما يتجاوز الضروريات. كان المنزل الذي جمعهما لسنوات يتحول شيئًا فشيئًا إلى ساحة حرب باردة.

دخلت ليلى أخيرًا وهي ترمي مفاتيحها على الطاولة دون أن تنظر إليه. كان التعب مرسومًا على وجهها، لكنها لم تحاول حتى تبرير تأخرها.

"تأخرتِ كثيرًا،" قال بصوت محايد لكنه كان محمّلًا بالاستياء.

أجابت ببرود: "كنتُ مع صديقاتي."

"دون أن تخبريني؟"

تنهدت ليلى وهي تفك وشاحها: "سامر، متى ستتوقف عن محاسبتي؟ أنا لست طفلة."

وقف للحظات مترددًا بين أن يصمت أو أن يُشعل شرارة أخرى في نقاشاتهما التي لم تعد تنتهي. لكنه لم يستطع التراجع. "الأمر ليس محاسبة، بل احترام. من الطبيعي أن أعرف أين تكون زوجتي طوال هذا الوقت."

رمقته بنظرة متعبة، ثم قالت بنبرة أكثر حدة: "وأين كان احترامك لي حين كنتَ تغيب طوال الليل بحجة العمل؟ لم أكن أحاسبك، لأنني كنتُ أثق بك."

سقط الصمت بينهما كجدار سميك. في الحقيقة، كلاهما كان يعلم أن المشكلة لم تكن مجرد تأخير أو غياب. كانت هناك فجوة تتسع منذ زمن، ولم يحاولا ردمها بل تركاها تتضخم حتى أصبحت هوة بلا نهاية.

كان سامر يتذكر أيامهما الأولى، حين كان كل شيء بسيطًا وسهلًا. كانت ليلى تضحك على نكاته السخيفة، وكان هو يجد السعادة في مجرد الجلوس بجانبها والاستماع إلى حديثها. أما الآن، فكل كلمة يتبادلانها تترك جرحًا جديدًا.

 

في أحد الأيام، أثناء العشاء، حاول سامر أن يعيد الدفء إلى حديثهما:

"تتذكرين أول مرة ذهبنا فيها إلى البحر؟ عندما نسيتِ حقيبتك واضطررتُ إلى العودة لأخذها؟"

ابتسمت ليلى نصف ابتسامة، لكنها لم تدم طويلًا. "نعم، كنت تهتم بي كثيرًا في ذلك الوقت."

"وما الذي تغيّر؟"

هزّت كتفيها وقالت بصوت خافت: "أعتقد أننا لم نعد نهتم، أو ربما أصبحنا متعبين جدًا لنحاول."

كلماتها علقت في ذهنه لعدة أيام، وكان عليه الاعتراف بأنها كانت محقة.

 

في إحدى الليالي، بعد شجار حاد آخر، جلسا على الأريكة دون أن ينظر أحدهما للآخر. شعرت ليلى أن قلبها لم يعد يحتمل المزيد من الخدوش، وسامر لم يعد يجد مبررًا للبقاء في علاقة أصبحت مرهقة لكليهما.

نظرت إليه أخيرًا وقالت بصوت هادئ لكنه حاسم: "سامر، نحن نحاول جاهدين ألا نعترف بالحقيقة، لكننا نعلمها."

"وما هي الحقيقة؟"

أخذت نفسًا عميقًا وقالت: "أننا لم نعد مناسبين لبعضنا."

ظل يحدق في عينيها طويلًا، ثم أومأ برأسه ببطء. لم يكن بحاجة إلى شرح أكثر، فقد كان يعرف ذلك منذ مدة، لكنه كان يخشى الاعتراف بالأمر.

 

بعد أسابيع من النقاشات والمشاورات، انفصلا رسميًا.

في اليوم الأخير، حين خرجت ليلى من المنزل للمرة الأخيرة، لم يكن هناك صراخ أو دموع، فقط نظرات طويلة صامتة تحمل كل شيء لم يُقل. لم يكونا سعيدين، لكن ربما كان الانفصال هو أقل الخيارات ألمًا.

وقف سامر عند النافذة، يراقبها وهي تبتعد، وشعر بأن العاصفة التي عاشاها لسنوات قد انتهت أخيرًا، لكن الهدوء الذي خلفته لم يكن إلا فراغًا لا يُحتمل. 

 

 

 

.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

🔴 عن النشوة الجنسية

عن النشوة الجنسية . .  النشوة الجنسية، ذروة الإثارة الجنسية، هي تجربة معقدة ومتعددة الأوجه تختلف اختلافًا كبيرًا بين الأفراد. وهي تنطوي على ...