.
الهروب من الزمن
.
في صباح يوم مشمس، استيقظ يوسف على صوت المنبّه. كان كل شيء يبدو مألوفًا بشكل غريب: شروق الشمس الذي يتسلل من الستائر، رائحة القهوة التي أعدتها جارتُه العجوز، وصوت سيارة الأجرة التي توقفت أمام المبنى. جلس على السرير متثاقلاً، ثم مد يده إلى هاتفه ليجد التاريخ واضحًا: 15 يناير.
تجاهل الشعور الغريب الذي راوده، نهض وبدأ يومه كالمعتاد. ذهب إلى عمله، تحدث مع زملائه، وعاد إلى منزله متعبًا، لا يدري أن يومه هذا سيعيد نفسه.
---
استيقظ يوسف في اليوم التالي على صوت المنبّه ذاته. لكنه عندما نظر إلى هاتفه، انقبض قلبه: 15 يناير، مرة أخرى. شعر بالارتباك، لكنه أقنع نفسه بأنها ربما مشكلة في هاتفه. أكمل يومه بنفس التفاصيل الدقيقة. وعندما استلقى للنوم تلك الليلة، تعهد أن يراجع طبيبًا إذا استمر الأمر.
---
لكن 15 يناير تكرر للمرة الثالثة. الآن لم يعد هناك مجال للإنكار. يوسف يعيش اليوم نفسه مرارًا وتكرارًا. جرب كل شيء لتغيير مجرى الأحداث: سلك طرقًا جديدة، تجاهل الذهاب للعمل، وحتى أمضى يومًا كاملًا في القراءة، لكن النتيجة واحدة: يعود للاستيقاظ في السرير ذاته على صوت المنبّه، ليواجه اليوم ذاته.
بعد أيام من اليأس، قرر يوسف أن يراقب ما يحدث حوله بتمعن. كان في المقهى حين لاحظ فتاة شابة تُدعى سارة تجلس وحدها على الطاولة المقابلة. في كل يوم متكرر، كانت تأتي في نفس الوقت وتترك حقيبتها مفتوحة قليلًا. لم يكن قد أولى الأمر أهمية في البداية، لكنه لاحظ لاحقًا أن رجلًا مجهولًا كان يقترب منها دائمًا ويختفي بسرعة.
---
في يومه المتكرر التالي، قرر أن يراقب عن كثب. وجد أن الرجل المجهول يستغل غفلة سارة ليسرق محفظتها. شعر بشيء داخله يتحرك، شعور بأن إنقاذها قد يكون المفتاح لكسر هذه الحلقة الزمنية.
---
في صباح اليوم التالي، قرر التدخل. ذهب إلى المقهى في نفس الوقت، وجلس على مقربة منها. عندما اقترب الرجل لسرقتها، أمسك يوسف بيده بقوة وأوقفه. اندهشت سارة، وشكرته بحرارة، بينما فر الرجل المجهول.
---
لكن الزمن لم يتغير. استيقظ يوسف في اليوم ذاته من جديد. أصابه الإحباط، لكنه قرر أن يسألها عن حياتها. في الأيام التالية، تقرب منها تدريجيًا، وتعرف على قصتها. كانت تعيش في عزلة بسبب حادث مأساوي فقدت فيه أحد أفراد أسرتها.
---
بالتدريج، أدرك يوسف أن إنقاذ سارة لا يقتصر على محفظتها، بل على حياتها بأكملها. قرر مساعدتها على الخروج من عزلتها، فشجعها على استعادة شغفها بالرسم، ودعمها في إقامة معرض فني. استغرق الأمر عشرات الأيام المتكررة، لكنه أخيرًا شعر بالرضا عندما رأى الابتسامة تعود إلى وجهها.
---
وفي يوم جديد، استيقظ يوسف على صوت المنبّه. لكنه عندما نظر إلى هاتفه، وجد التاريخ قد تغير: 16 يناير. تنهّد بارتياح، وأدرك أن كسر حلقة الزمن لم يكن يتعلق بهروب شخصي، بل بمنح الأمل لشخص آخر.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق