.
المحادثة مع المستقبل
.
كان خالد شابًا في منتصف العشرينيات يعيش حياة عادية في قرية صغيرة، محاطًا بالحكايات القديمة التي ترويها جدته عن المرآة العتيقة التي تتوسط غرفة المعيشة. كانت المرآة متوارثة منذ أجيال، محفورة بإطار خشبي مزخرف بنقوش غريبة تثير الفضول. قيل إن هذه المرآة تمتلك سرًا غامضًا، لكنها بالنسبة لخالد لم تكن سوى قطعة أثاث قديمة.
في إحدى الليالي الهادئة، بينما كان خالد يجلس وحده في المنزل، انقطع التيار الكهربائي. لم يكن أمامه سوى ضوء شمعة يتراقص في الظلام. قرر قضاء الوقت بالتجول في المنزل، فتوقف أمام المرآة وتأمل انعكاسه. كان الجو غريبًا، والهدوء يثير في نفسه شعورًا غير مريح.
لكنه فجأة لاحظ أمرًا مريبًا؛ لم يكن الانعكاس يتطابق تمامًا مع حركاته. ابتعد خطوة عن المرآة، لكنها أظهرت شخصًا لا يتحرك. وقف خالد مذهولًا عندما سمع صوتًا منخفضًا يخرج من داخل المرآة، صوتًا يشبه صوته ولكنه أعمق وأكثر نضجًا.
قال الصوت: "مرحبًا، خالد. لا تخف، أنا أنت... بعد عشرين عامًا."
تسمر خالد في مكانه، عاجزًا عن الرد. أخيرًا، تمكن من سؤال مرتجف: "كيف يكون هذا ممكنًا؟ هل أنا أحلم؟"
ابتسم الانعكاس، أو بالأحرى نسخته المستقبلية، وقال: "الأمر حقيقي. هذه المرآة ليست عادية. إنها بوابة تربط بين زمانين. يمكننا الحديث الآن، لكن الوقت محدود."
بدأ خالد يشعر بخليط من الفضول والخوف. "لماذا تحدثني؟ ما الذي تريدني أن أعرفه؟"
تنهد الرجل في المرآة وقال: "هناك الكثير لتعرفه، لكن لن أخبرك بكل شيء. أحيانًا يجب أن تسير الأمور كما هي. ومع ذلك، سأحذرك من شيء واحد. بعد عام من الآن، ستواجه قرارًا سيغير حياتك. كن حذرًا، وفكر مليًا قبل اتخاذه."
حاول خالد الاستفسار أكثر: "ما هو القرار؟ وماذا سيحدث إن اتخذت الخيار الخاطئ؟"
لكن انعكاسه في المرآة بدأ يتلاشى تدريجيًا. "تذكر، المرآة ليست مجرد نافذة على المستقبل. إنها انعكاس لما في داخلك. إن لم تفهم نفسك الآن، لن تتمكن من فهمي لاحقًا. سأعود عندما يحين الوقت."
اختفى الانعكاس، تاركًا خالد وحده أمام المرآة. لم يستطع النوم تلك الليلة، وأخذ يفكر في الكلمات التي سمعها. ماذا يقصد بالقرار؟ وكيف يمكن للمرآة أن تكون انعكاسًا لما في داخله؟
على مدار الأشهر التالية، أصبحت المرآة جزءًا من يوميات خالد. كان يجلس أمامها كل ليلة، يحاول التحدث إلى انعكاسه المستقبلي، لكنه لم يظهر مرة أخرى. بدأ خالد يدرك شيئًا مهمًا: لكي يكون مستعدًا للمستقبل، عليه أن يفهم نفسه بشكل أفضل الآن.
---
مر عام على تلك الليلة الغامضة، ووجد خالد نفسه أمام مفترق طرق. عُرضت عليه فرصة مغادرة قريته الصغيرة للعمل في مدينة كبيرة، لكنه كان ممزقًا بين ترك عائلته وحياته المألوفة وبين اغتنام هذه الفرصة. في تلك اللحظة، تذكر كلمات انعكاسه في المرآة.
جلس أمام المرآة مرة أخرى، متأملًا انعكاسه. لم يظهر صوت المستقبل هذه المرة، لكن خالد لم يكن بحاجة إليه. لقد أصبح أكثر حكمة، وأكثر فهمًا لذاته. اتخذ قراره، ليس بناءً على الخوف من الخطأ، بل على ثقة بأنه يستطيع مواجهة أي شيء ينتظره.
وما إن وقف ليغادر، حتى لمح انعكاسًا خفيفًا في المرآة، وابتسامة من المستقبل، وكأنها تقول له: "أحسنت."
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق